تتزاحم الأفكار وتمتلئ الذاكرة بحكايات الوجع التي تقترب من اكتمال السنة التاسعة على الشعب السوري.
ولعل معارك إدلب هي التي أعادتنا إلى الدائرة الأولى من الحكاية التي بدأت بكذبة خبيثة في درعا، ثم سارت الكذبة إلى حمص ومن ثم امتد الحريق الذي أشعلته تركيا على حدودها مع اللاذقية وإدلب.
وإذا كان لا بد من التذكر والربط حتى لا تنسى الأجيال الصاعدة – جيل الحرب تحديداً – ما جرى وما سيجري، فلا بد من العودة إلى الحرب الأميركية على العراق وكيف بدأت بكذبة لا تزال سارية المفعول مع أن العالم كشفها وكشف زيفها لكن الرئيس الأميركي بوش الصغير هو الذي أطلق الشرارة النارية الدموية حين تحدث عن محور الشرّ.
ومحور الشر كان بنظره، العراق، إيران، وكوريا.
لكن هذا المحور يتغير ويتبدل بحسب مصالح أميركا وبحسب أهدافها غير المعلنة، لكن من أهدافها المعلنة ومن خلال سياق الأحداث كانت سورية، سورية التي لا تدين لأي دولة، وينمو اقتصادها بشكل تصاعدي، اكتفت ذاتياً من خلال تطور الزراعة والصناعة والصحة والتعليم العالي وبدأت تخرّج الآلاف من حملة الشهادات العليا في كل فرع واختصاص، لم تعد نستورد أدوية ولا قطناً ولا بترولاً، وبدأت بإنتاج السيارات وغيرها.. كما بدأت الحدود بين العراق وسورية تنفتح على شعبين أخوين، لكن هذا أقلق أميركا.. وجعلها تغير تصنيفاتها وتوصيفاتها للعالم باعتبارها سيدة العالم الحرّ الحريصة على الحريات في الأرض كما تحب أن تصف نفسها، فأضافت إلى محور الشرّ سورية بعد انتصار المقاومة اللبنانية على إسرائيل وتمريغ قوتها بالتراب، فما كان إلا أن بدأت بحياكة المؤامرة التي كان المثقف السوري والعربي يرفض هذه المقولة، وكان يتهم من يتعاطى بهذا العنوان بأنه يعيش في لغة متخشبة وأفكار معلبة، لذلك كان الحوار دوماً يأخذ شكلاً تحريضياً لا أكثر ولم يكن فاعلاً ولا منتجاً لمنهج جديد يستطيع أن يتعامل مع المستجدات التي بدأت تغزو العقل العربي تحت مسميات الحرية والديموقراطية، واستطاع الغرب أن يجند أفراداً فاعلين في المجتمع السوري ثقافياً وعلمياً وفكرياً بحيث أسسوا منتديات وأقاموا مهرجانات ظاهرياً ثقافية وفكرية وفي الخفاء كان لها غايات أخرى.. وكانت تتلقى الدعم المادي تحت شعار (مساعدات من الاتحاد الأوروبي) لدعم الثقافة والانفتاح على الآخر، ومع كل الأسف انطلت اللعبة على كثيرين.. وصار السؤال لأي من كوادر تلك المجموعات، من أين لك هذا حتى تستطيع أن تقيم مهرجاناً أو تؤسس منتدى؟ مستنكراً ويدعو إلى السخرية أو إلى استبعاده من مكاسب الدعوات والمشاركات.. وقد تورط في ذلك كثيرون ممن كانوا يعملون في الصحافة السورية وفي مفاصل ثقافية.
لقد بات من يتبنى فكراً مناهضاً للعولمة، مضطهداً، وصار من يتحدث بخوف عن الهوية وضياعها في هويات العالم المتسلط كما لو كان يهذي، أو يتهم بأنه لم يخرج من عباءة الأجداد، وكأن الخروج من عباءة الأجداد والابتكار والإبداع حتى يتحقق يجب نكران الهوية والثقافة العربية والثوابت الوطنية والقومية، ما أدى إلى صعود طبقة مسطحة من دعاة الثقافة يحتلون الصفحات الأولى ويشكلون (مافيات ثقافية تتواصل مع جهات مشبوهة تحت شعار الانفتاح والتواصل مع حضارات العالم الحر).
ولنتذكر.. لقد تم فرز المثقفين والكتّاب قبل المؤامرة على سورية بعدة سنوات.. فصار من يشتم البلد والمعتقدات ويقزم الرموز والقيم هو كاتب الصف الأول.. وقد اعتمدته جهات عربية وغربية ممثلاً لها.. وهذا ما شاهدناه في جنيف أثناء اجتماع لجنة مناقشة الدستور، لقد التقيت ببعض هؤلاء المدعين الذين فروا ولجؤوا إلى الغرب.. وهم الآن لا شيء سوى أبواق لمخططات أردوغان والغرب الذي ثبت أنه هو محور الشر بالاشتراك مع صندوق النقد الدوليوالمنظمة العالمية للتجارة، وهذا ما أكده وبكل جرأة الكاتب (راموناي عبر مقاله في اللوموند ديبلوماتيك في آذار 2002) إذ كتب أن خراب العالم سيصنعه محور الشر الحقيقي الذي هو بكل تأكيد (الغرب والمنظمات الدولية آنفة الذكر)
مع ذلك جيشنا يقاتل.. ونحن مؤمنون بالنصر وإن غداً لناظره قريب.
أنيسة عبود
التاريخ: الأربعاء 29 – 1 – 2020
رقم العدد : 17180