هنا وعلى بعد أمتار من (باب الفرج)، أحد أبواب حلب القديمة، بدأت منارة الشهباء وعقارب ساعتها، المسماة باسم الباب نفسه تدور على وقع انتصارات الجيش العربي السوري على الإرهاب ومخترعيه، وتدق لحن الحياة لتحيي في نفوس السوريين صناعة غد مشرق على أنغام الأمل.
هنا وعلى بعد أمتار فقط من دار الكتب الوطنية بحلب، ومقابل برج الساعة مباشرة، نعلن اليوم أن جوهرتنا سورية هي مهد الكتاب ومصنع الحرف والكلمة، التي صدرت للعالم معاني الإنسانية والحرية والإخاء والسلام، ونثرت سجاجيدها، الموشاة بزخارف العروبة، عطرها في باحات مساجدها وكنائسها لتعلن وحدة الإنسانية وتوأمة إيمانها.
هنا قرص الساعة قد يمكّن العابرين بها من معرفة التوقيت، فكلّ قرصين متقابلين يعملان -كما نعرف- بتوقيت يختلف عن توقيت القرصين الآخرين، اثنان للتوقيت العربي، واثنان للتوقيت الغربي، لكنه اليوم يخبر، بعد النصر المبين على الإرهاب ومنتجي جراثيمه في مختبرات السي آي إيه، أن توقيت النصر السوري يمهد لتوقيت واحد موحد يرسم ملامح خارطة عالمية جديدة تنسف مرحلة القرن الأميركي الأوحد، وتؤسس لتوازن عالمي فرضته قوى العالم الحر المؤمنة بمعمورة خالية من السطو والغطرسة ولا تسودها إلا قيم الأمن والأمان والاستقرار والازدهار والعدل والسلام.
من هنا يعلن السوريون أن الإرهاب زائل لا محالة، وأن ساعة الصفر لدوران عجلة الإنتاج وإعادة نبض الحياة لشرايين بلدهم المنكوب بغزاة العصر من الأميركيين المتغطرسين والعثمانيين والأعراب والصهاينة قد حانت.
يخطون صفحة البناء، ويؤكدون أن صفحة الدمار والإرهاب الذي جلبته واشنطن قد طويت، وأن سرقة المصانع والمعامل التي امتهنها أردوغان لن تمر مرور الكرام، وسيدفع اللص ثمنها غالياً عاجلاً غير آجل.
هنا ما يسمى (الفونس) في أعلى برج الساعة، وبنوافذه الست، وكواه الدائرية، وقسمه العلوي المزود بجهاز لمعرفة اتجاه الريح، تعزف حلب سمفونية الرياح العالمية الجديدة، التي لا مكان لاستخدام المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة ومنظمة حقوق الإنسان و(حظر الكيميائية) كمنصات للعدوان على الشعوب وغزوها وتفتيتها، ولا مجال بعد اليوم لفرض الأوامر والبلطجة، فالفيتو الروسي الصيني بالمرصاد لكل جبار عنيد.
هنا من بوابات قلعة حلب الشامخة ومعالم أسواقها التاريخية العريقة، ومن فتحات طرازها المعماري الفريد، تدق ساعة الحقيقة من جديد لتعلن آلتها (الميكانيكية) أن صناعة حلب كانت تجاري بحداثتها ودقتها وجودتها أشهر صناعات العالم وستعود أفضل مما كانت عليه، وها هي حكومة سورية تحشد وزراءها ليعملوا كخلية نحل نشطة وورشة عمل دائمة عنوانها إحياء أهم صناعة في المشرق العربي وتوفير كل السبل للنهوض بها من تحت الرماد، وكي تعود سهولها المعطاء إحدى أهم سلال سورية الغذائية كما كانت.
هنا في محيط ساعة باب الفرج تعلن قناة (حيلان) اليوم أن سورية كانت الشاهد منذ آلاف السنين على تعليم البشرية الزراعة الأولى في حقولها، كما كانت مخترعة الأبجدية المسمارية الأولى في أوغاريت، حين لم يكن لدول منظومة العدوان على سورية تاريخ أو حضارة، وحين لم تقدم للإنسانية عشر ما قدمته سورية على مر التاريخ.
هنا حلب اليوم تتدفق دماء عطائها لتروي أرض سورية، فمن الطريق الدولي الشريان الأهم بينها وبين العاصمة دمشق، والذي حرره جيشنا الباسل للتو، يرسم السوريون طريق خلاصهم وخلاص كل شرفاء العالم المحارب للإرهاب والتطرف والتكفير والظلام، وفي المقدمة الأصدقاء والحلفاء، ويؤكدون أن إرادة الحياة والبناء أقوى من كل منظومات الإرهاب وغطرستها وأجنداتها وعدوانها وخيوط أردوغانها وترامبها التي لا تعرف إلا أنوال التآمر التي تنسج الموت والدمار.
من جوهرة طريق الحرير، من رافعة الاقتصاد السوري، من شريان الصناعة الأول، من عاصمة الثقافات والحضارات، تدق ساعة باب الفرج معلنة (الفرج) على السوريين، والنصر على موجات أردوغان العدوانية ومخططات ترامب ونتنياهو والناتو وأعرابهم، فلا حشد إرهابييهم سيثني أصحاب الحق عن هدفهم الأسمى بتحرير وطنهم، ولا غطرسة هؤلاء وإرهاب طائراتهم سيجعل المتجذرين بأرضهم يحيدون عنها قيد أنملة.
فهنا عين دارة التي سيعود أسدها البازلتي أقوى من الحجر الذي نحت منه، وهنا سمعان بديرها وقلعتها، وهنا قنسرين بإرثها العظيم، هنا متحف حلب وقصرها الآرامي، هنا النسيج الفاخر وعطر الفن ورائحة الغار وطعم الزعتر النادر، هنا التراث الإنساني بكل تنوعه وثراه سيعود مبشراً بقيامة سورية ودورها الحضاري الكبير.
أحمــد حمــادة
التاريخ: السبت 22 – 2 – 2020
رقم العدد : 17199