ليس سهلاً علينا -نحن السوريين الصابرين – أن نتحمل الاعتداء التركي وليس هيناً على الأمهات اللواتي قدمن أكبادهن من أجل سورية وكرامة سورية أن يودعن أكبادهن بلحظة.
لكن لن تكون اعتداءات التركي الأخيرة، لأنها أساساً لم تكن الأولى، فقد تمادى في الفترة الأخيرة لدرجة أن من يسمع خطابه يظن بأن هذا الطوراني – الصهيوني – يتحدث عن أرض تركية وليست أرضنا وتلالنا وشعبها ليس شعبنا، وبما أن أردوغان ركب رأسه فلا بدّ من التصميم على المواجهة لأن ثمن المواجهة (كما قال السيد الرئيس بشار الأسد)أقل بكثير من ثمن الاستسلام .
وأعتقد بأن الشعب الذي قدم عشرات الآلاف من الشهداء طيلة تسع سنوات لن يستلسم ولن يصعب عليه أن يقدم المزيد من الشهداء والأبطال.
……………………………
في وداع أحد الشهداء الذي استشهد في حلب، كان والد الشهيد يرقص.. وكانت أمه تصفق.. وشعرت أن المثل القائل ( والطير يرقص مذبوحاً من الألم ) قيل في مثل هذه المناسبات التي يعجز القلب عن تحملها.. فلا الصراخ يكفي، ولا البكاء يكفي، ولا شيء يطفئ أو يخفف الحريق.
إنه الوداع الصعب، والقرار الصعب، والتضحية التي ما بعدها تضحية، ولكن هذا قدرنا نحن السوريين المجاورين لبلد يتزعمه رئيس عصابة أحمق وحاقد وكاذب، لم يتوقف أردوغان عن الكذب أبداً ولم يخجل من ممارسة الخداع حتى لأقرب أصدقائه ومعاونيه في حزبه، وحتى مع الدول التي يتعامل معها.
وربما علاقته القديمة مع أربكان (قائد حزبه السابق) أكبر دليل على نفاقه وكذبه.. وما تعامله مع العدو الصهيوني إلا أكبر برهان على سياسته المخادعة.. فهو صهيوني تارة، وتارة هو إسلامي يدافع عن القدس والمقدسات!! والسؤال الذي لا بدّ منه وهو الذي يملك القدرة على مواجهة إسرائيل، فلماذا لم يرسل جيوشه من أجل الأقصى ولم يقطع علاقته العميقة مع عدو الأقصى وعدو الإسلام، وهو يرى كيف يهودون القدس وكيف يحفرون تحت المسجد ويخلخلون بنيانه وتاريخه؟ لكن حبل الكذب قصير ..وما جوائز الصهاينة له إلا الدليل القاطع على ارتباطه الوثيق بالمشروع الصهيوني والعثماني الذي دمر المنطقة العربية.. وزيف تاريخها وسرق أوابدها وتركها ترزح قروناً طويلة تحت نير الاستعباد والجهل والتخلف.
…………………………………..
يمر سرب الشهداء الذين استشهدوا في إدلب.. فتركض القلوب خلفهم لتودعهم.. ويمر سرب الورود تاركاً عطره خلفهم.
يمر سرب الشهداء.. فتضيء الذاكرة وتعود إلى مذابح العثمانيين، مذابح أجداد أردوغان المنافق الكذاب، فنحن لم ننس مذابح السلطان سليم، ولا ضحايا ( حي التلل ) في حلب، ولا مذابح الفقراء في الجبال وفي التلال، ولن يكون سهلاً علينا المرور في كتاب التاريخ دون أن نستعيد ما قام به الأتراك في كل العالم، إذ لا تزال مشانق الثوار في دمشق على يد السفاح جمال باشا معلقة أمام عيوننا، تصرخ وتكتب التاريخ مرة بعد مرة، فنراها كلما قلبنا صفحة في كتاب التاريخ، وكلما أشعلنا بخوراً لشهيد.
واليوم يعيد العثماني تاريخه الذي قام على القتل والذبح والوحشية وخير دليل على ذلك مذابح الأرمن وغيرهم الكثير.
لكن، لن يتحقق للطوراني ما أراد.. ولن يتراجع السوريون عن حقهم.. وهذا الحق سيمتد إلى لواء اسكندرون السليب الذي تواطأ فيه الغرب وخاصة فرنسا وبريطانيا، لكن لنتذكر دائماً قول الأديب الفرنسي الشهير (فيكتور هوغو )
من هنا مرّ الأتراك، فأصبح كل شيء خراباً)
أما المثل الآشوري فيقول: للشيطان وجوه عديدة، إحداها وجه التركي.
……………………..
ويمر سرب الشهداء.. تصير السماء قريبة.. وتصير الأمهات قديسات.. وتصير البلاد مسيجة بأرواح خالدة لا تفنى.
يمرّ سرب الشهداء فتصبح عصياً على الطغاة يا وطني.
أنيسة عبود
التاريخ: الأربعاء 4-3-2020
الرقم: 17208