إرادة الحســـم واســــتراتيجيـة النصر

تداولت مراكز التخطيط العالمية التي صممت الثورات المزيفة في وطننا العربي عدة استراتيجيات ظنّت من خلالها أن الشعب العربي سينساق خلفها فيحقق إرادة العدو الخارجي في بلده، وفي البلدان العربية الأخرى وتسود حالة من التشظّي الوطني الداخلي عبر المكوّنات المختلفة الاجتماعية والدينية والإثنية، والغاية الكبرى وراء هذا التشظّي هي تمزيق الجغرافيا الوطنية الواحدة والوحدة المجتمعية للدولة المعنية، وكذلك المشاريع التي تصبّ في نهاية المطاف بالمصالح القومية العليا للعرب والعروبة بآن معاً، ولو عدنا إلى حديث المتغطرس نتنياهو حين قال لمستوطنيه وعنصرييه إنه قد قضى على القومية العربية، فإننا نجد دولا عربية مستعدة للتطبيع مع «إسرائيل»، وإنشاء ناتو معها ضد إيران على اعتبار أنها عدو مشترك؟!.
وما يستقرّ في النفس من وجع على حالة العرب اليوم هي أن نظامهم الرسمي لم يتمكّن من إدراك المخطط الصهيو أميركي الذي يهدف إلى تمزيق الجميع ولو أن البداية كانت في النظام الجمهوري العربي طالما أن الممالك والمشيخات قد سارت مؤيدة لمخطط حلف الأعداء وداعمين له ومموّلين، وما يحدث في إدلب اليوم ألا يشير إلى المسؤولين في العروبة الحاضرة بأن المكلّف أردوغان يريد احتلال إدلب لأنه ضالع مع الأميركي والأوروبي والصهيوني في الاستثمار بالإرهاب في سورية من أجل تحطيم الجبهتين اللتين جمعتهما المصالح المشتركة في التصدي للإرهاب الذي صنّعه الغرب المتصهين لتكون بوابات الدخول إلى بلادنا سهلة ميسورة، والجبهة الأولى هي جبهة المقاومة، والثانية هي جبهة الحرب على الإرهاب.
ومن كل ما رأيناه، وما زلنا نراه من تغطرس غربي متصهين على أرض سورية وخاصة بإدخال قوات عسكرية، وإقامة قواعد لها، ووضع نقاط ميدانية تعيق حركة جيشنا وحلفائه في الحرب على الإرهاب، نجد أن الذي خطط لتدمير دولتنا، وتفكيك مجتمعنا خدمة للعدو الصهيوني ما زال يواصل مهامه السوداء، وفظاعته بحق الآمنين السوريين رغم ادعاءاته الكاذبة بأنه آتٍ لمساعدة المواطنين تحت مسميات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
إن المحلل السياسي والاستراتيجي لما يقوم به الغرب المتصهين في بلادنا لن يقوى على تجاهل الحقائق التي تبرز على الأرض لدى كل تقدّم ميداني مهم لجيشنا وحلفائه في الحرب على الإرهاب وخاصة اليوم بعد تحرير أكثر من أربعين بالمئة من مساحة إدلب، حيث هبّ الأجير أردوغان بأوامر أميركية وصهيونية ليعرقل تقدم الجيش المنتصر، وليمنع إنهاء الإرهابيين، وليكشف عن المخطط المرسوم بإبقاء مخطط «المنطقة الآمنة» المزعومة قابلاً للتطبيق.
وإضافة إلى دخول أردوغان بجيشه لمساعدة الإرهاب في سراقب وغيرها والهزيمة التي تلقّاها على يد جيشنا وحلفائه يقوم بعض المسؤولين الأميركيين بالتسلل إلى مناطق في إدلب لكي يشدّوا من أزر المجموعات الإرهابية، ويوقفوا اندفاعة النصر التي وضع استراتيجيتها الجيش العربي السوري وحقق منها الجزء الكبير، وفي كل مقطع من الحرب على الإرهاب في بلدنا تكشف السياسات العدوانية الغربية الصهيونية عن إصرار جديد على محاولة منع سورية من الحسم العسكري، وتوضّح هذه السياسات طبيعة الغطرسة الغربية المستخدمة لأردوغان كرأس حربة ضد بلدنا الأمر الذي شجّع هذا الأخير على إدخال المزيد من قواته العسكرية لمساندة الإرهاب ولا سيما حين احتال على مقرّرات «آستنة وسوتشي»، فوضع نقاط مراقبة من جيشه في مناطق خفض التصعيد وجعل منها حصناً للإرهابيين، وملاذاً لهم في هروبهم أمام تقدم الجيش وحلفائه.
وحين استوثق الأميركي والصهيوني من أن إرادة تحرير إدلب من الإرهاب ستكون المهمة الأولى لكي تتلوها المهمة الأخرى بإخراج جيش أردوغان من الأرض السورية، وبعدها إخراج الوجود العسكري الأميركي والأطلسي من سورية بلا رجعة لتعود الجغرافيا السورية إلى وحدتها، والتاريخ السوري إلى ألقه، جنّ جنون أردوغان ومشغّليه فوقفوا يفبركون الكيميائي، والتعدّي على المدنيين، والادعاء بقصف المدارس والمشافي حتى تتشكل إرادة دولية بوقف تقدم جيشنا لتحرير إدلب، وربطها بالمهجّرين، ومن ثم بطبيعة الحل السياسي الذي يسعون لتحديد جغرافيته بما يتوافق مع ضمانة قيام «إسرائيل الكبرى» على حساب أرض العرب.
ومن هنا نلاحظ التلازم بين اعتراض تقدم الجيش والحلفاء في إدلب وشمال حماة والاعتداءات الصهيونية بالصواريخ على مواقع عسكرية لجيشنا البطل، وفي كل عدوان تظهر قوة جديدة مضافة عند جيشنا العظيم، وما كان برهانه ساطعاً، وحججه دامغة هو أن الجيش الثاني في الأطلسي بقيادة أردوغان لم يستطع الاحتفاظ بسراقب ليومين حتى خرج منها بمعركة ستكون يوماً ما من أهم المنجزات الميدانية لجيشنا في تاريخ الجيوش لتدرّس في أكاديميات العلوم العسكرية.
وفي حديثه مع قناة روسيا 24 أبرز السيد الرئيس بشار الأسد الديبلوماسية السورية بأجلى صورها الواقعية الموضوعية حين فرّق بين الشعب التركي وسياسات أردوغان التي لا تمثل مصالح شعبه، ونوّه السيد الرئيس بعلاقات المصالح اليومية بين الشعبين العربي السوري والتركي وبالتداخل التاريخي بينهما مبدياً استغرابه كيف يكون هنالك خلافات بينهما مع العلم أن المدن التركية قد شهدت حركة احتجاج على تسلل أردوغان إلى الأراضي السورية وعلى مساعدته للإرهاب، وكان البرلمان التركي قد عقد جلسة مغلقة حتى لا يستمع الشعب إلى إدانة أردوغان وحزبه داخل قبّة البرلمان على تدخّله الوقح في سورية.

د. فايز عز الدين
التاريخ: الاثنين 9-3-2020
الرقم: 17212

آخر الأخبار
المغتربون السوريون يسجلون نجاحات في ألمانيا   تامر غزال.. أول سوري يترشح لبرلمان آوغسبورغ لاند محاور لإصلاح التعليم الطبي السوري محافظ حلب يبحث مع وفد ألماني دعم مشاريع التعافي المبكر والتنمية ابن مدينة حلب مرشحاً عن حزب الخضر الألماني خاص لـ "الثورة": السوري تامر غزال يكتب التاريخ في بافاريا.. "أنا الحلبي وابنكم في المغترب" سوريا تفتح نوافذ التعاون العربي عبر "معرض النسيج الدولي 2026"  رفع العقوبات إنجاز دبلوماسي يعيد لسوريا مكانتها ودورها الإقليمي دعماً للإعمار.. نقابة المهندسين تؤجل زيادة تكاليف البناء من التهميش إلى التأثير.. الدبلوماسية السورية تنتصر  متبرع يقدم جهازي "حاقن آلي" وتنفس اصطناعي لمستشفى الصنمين بدرعا  حملة شاملة لترحيل القمامة من مكب "عين العصافير"  بحلب بين دعم واشنطن وامتناع بكين.. الرحلة الاستراتيجية لسوريا بعد القرار "2799" ما بعد القرار "2799".. كيف قلب "مجلس الأمن" صفحة علاقة العالم مع سوريا؟  خبير اقتصادي ينبه من تداعيات التّحول إلى "الريعية"  قرار مجلس الأمن وفتح أبواب "البيت الأبيض".. تحول استراتيجي في الدبلوماسية السورية  كيف حول الرئيس الشرع رؤية واشنطن من فرض العقوبات إلى المطالبة برفعها؟ ٥ آلاف ميغا واط كهرباء تعزز الإنتاج وتحفز النمو  المعرض الدولي لقطع غيار السيارات.. رسالة نحو المنافسة باستخدام أحدث التقنيات   "صحة وضحكة" .. مبادرة توعوية لتعزيز النظافة الشخصية عند الأطفال من رماد الصراع إلى أفق المناخ.. فلسفة العودة السورية للمحافل الدولية