ثورة اون لاين -غصون سليمان:
يحولن الألم إلى بلسم للجراح وغالبا ما تظهر لنا الشدائد والمحن معادن المرء من مواقف وفعل وسلوك..قد تذهلك بعض التفاصيل وتعطيك بعدا آخر من أوجه الحياة المختلفة ،وإذا ما توقفنا عند حياة بعض النساء السوريات اللواتي تسمرن في جذور أرضهن ولم يساومن أو يسارين أحدا على مساحة حب الوطن،تجد في التجربة خبرة الانتماء والوفاء ، فكيف عاشت المرأة السورية بشكل عام ظروف الحرب.
مصون بيطار أمين فرع ادلب للحزب الديمقراطي السوري،وعضو لجنة الدستور ،وعضو الجمعية التاريخية السورية ،شاعرة وأدبية، في حديث معها تتدفق الذكريات المؤلمة، لكنها تعطيك روحا أخرى بنبرة صوت، وهي تتحدث بفصاحة اللغة ،حول كيفية مواجهة المرأة لظروف الحرب ،انطلاقا من بيئتها وعملها وخصوصية حضورها .تذكر بيطار أهمية الدور الكبير للمرأة السورية في كل ما يحاك بهذا الوطن، فهي الأم والأخت والمعلمة والمربية ، فقد استطاعت المرأة السورية بذكائها وقوة شخصيتها، أن تتحدى كل الصعاب ، وأن تربي أبناءها من جديد ، من حيث إعادة صياغتهم وتقويم ما لحق من شرخ فيما يتعلق بمفهوم الانتماء بعدما نخرت بعض الثغرات حياتهم في ظروف حرب عدوانية كونية على سورية.
وحول معاناة المرأة في إدلب ومواجهتها للويلات التي حلت بكل جغرافيا الوطن تشرح بيطار كيف تم تهجيرها من منزلها بطريقة إجرامية مؤلمة حين دخل عليها المسلحون ،وقاموا بضرب زوجها بآلة حادة على رأسه لأنه رفض أن يضع مضاد الطيران في إحدى المحلات التجارية لاستهداف مطار ابو الضهور حيث كانت تسكن وعائلتها هناك..خرجت من منزلها بما يستر جسدها فقط من لباس بعدما نهب المسلحون تحويشة شقاء العمر، وضربوا زوجها أمام ناظريها.
غادرت بيطار مساكن أبو الضهور إلى معرة مصرين لاصطحاب والديها وأختها رغم حالة النزف الشديدة لزوجها ماضطرها لأن “تخيّط “جرحه ببعض القماش.استقرت بيطار في اللاذقية وفتحت” محلا للبالة “لإعالة أسرتها فهي خارج ملاك التعليم وكانت تعتمد على الوكالات والساعات التدريسية لأن الحظ لم يحالفها وكانت الظروف أقوى من طموحها ماحرمها من قطف ثمار تعب أربع سنوات من دراسة الأدب العربي في الجامعة ..
لم تستسلم للظروف وكبست على الجرح ملح الصبر كما تقول بيطار، وبعد سبع سنوات من المعاناة توفي والداها،ولأن الحياة لا تتوقف عند بعض الظروف ، انطلقت للحياة والعمل من خلال المشاركة ، بدورات تدريبية خاصة بتطوير الذات ومهارات الحياة وبندوات ثقافية و وملتقيات شعرية وفعاليات مجتمعية ، مع زيارات دورية لأسر الشهداء.
بيطار المسكونة بحب الوطن وصفته بأنه جدار الزمن الذي كنا نخربش عليه بعبارات بريئة لمن نحب ونعشق..الوطن هو الحليب الخارج من ثدي الأرض..هو الحب الوحيد الخالي من الشوائب.. حب مزروع في العيون..والجيش العربي السوري هو رافعة كل صمود ،ومتراس كل وطنية ..الوطن بعيون الأطفال عيد وألعاب وأراجيح ..والطفولة في الوطن مشروع حضاري عملت عليه سورية وأغنته لسنوات طويلة ومازالت رغم وحشية الإرهاب المصدر الذي اغتال براءة الطفولة في وطن الشمس ،وعبث بكل شيء جميل يحتفي بألوان الوطن .
بيطار المرأة السورية الشاعرة يمر عليها آذار وقد غيب الموت عزيزا من حضنها الدافئ، فالأم هي وطن كما وصفتها حيث تحدثت عن أمها بلغة الواقع و الكبرياء فقالت، أن أمها رغم أنها كانت أمية كحال العديد من الأمهات بحكم الظروف المختلفة ،لكنها كانت تلقي الشعر الموزون عن ظهر قلب ويضرب بها المثل في محيطها.ربّت كغيرها من النساء السوريات وعلّمت وتخرج من كنفها ومن وراء مكنة الخياطة الأبناء الجامعيون من أطباء ومهندسين وصيادلة، فعوضت ما حرمت منه على صعيد التعليم لتقطفه بمستقبل أبنائها الذكور والإناث..فالنساء السوريات على مستوى جغرافيا الوطن وقفن بالكلمة وجسدن بالفعل وترجمن بسلوكهن حب الوطن وضمدن جراحه ومازلن على جميع المستويات قادرات على العطاء والتضحية على الدوام .
بيطار في ختام حديثها تمنت أن تصل هذه الأبيات الى كل سيدة فقدت أمها لاسيما في ظروف الحرب العدوانية على بلدنا..وكما رددت مرارا عشقها للشعر فها هي تبوح ببعض أبياته .
أماه يا أم العطايا لم يزل….في الدار منك بكل ركن غار
بكت الفصول لفقد نبع حنانها….والدمع في مقل النجوم يحار
أمي ندهت ودمعتي مكلومة….بين السطور انسالت الأفكار