ثورة أون لاين _ فؤاد مسعد
تسابقت المؤسسات والهيئات التي تُعنى بالشؤون الإبداعية والفنية والثقافية في مختلف أنحاء العالم لطرح مبادرات تساهم في إبقاء المواطنين في بيوتهم لتسّهل عليهم قضاء مدة الحجر الطوعي الاحترازي لتفادي الإصابة بفيروس كورورنا ، وجاءت الطروحات متنوعة بين سينما ومسرح وكتاب وموسيقا .. ولكنها في المجمل تعكس حالة حضارية تغني الفكر وتثري المعرفة .
ومما تم إطلاقه ضمن هذا السياق في سورية مباردة (السينما في بيتك) التي سعت من خلالها المؤسسة العامة للسينما لإتاحة مشاهدة أفلام سورية روائية طويلة حديثة مُنجزة عبر السنوات القريبة الماضية ، منها (درب السما ، الاعتراف ، عزف منفرد ، أمينة ..) ، كما كثفت الهيئة العامة السورية للكتاب حالياً إصدار سلسلة الكتاب الإلكتروني بصيغة (pdf) وذلك ضمن خطة لنشر ثقافة القراءة عن بعد .
وفي موسكو أعلن مسرح البولشوي لأول مرة في تاريخه بث العديد من عروض الأوبرا والباليه الكلاسيكية والمعروفة باسم “السلسلة الذهبية” مباشرة على قناة المسرح على موقع اليوتيوب لمشاهدة مجانية ، ونظم العرض ضمن برنامج ضم كلاً من (بحيرة البجع ، الجمال النائم ، عروس القيصر ، ماركو سبادا ، بوريس جودونوف ، كسارة البندق) . وعلى صعيد آخر تم الإعلان عن اتاحة زيارات افتراضية مجانية لمتاحف حول العالم لم تكن متاحة سابقًا، وتقديم أفلام عالمية مترجمة وأخرى نادرة إضافة إلى أفلام وثائقية ، وفي المغرب قام المركز السينمائي المغربي بطرح برنامج عروض لمجموعة من الأفلام المغربية الطويلة مجاناً على الشبكة العنكبوتية ، كما أتاح عدد من المخرجين العرب عرض أفلامهم مجاناً على مواقع ومنصات لعرض الأفلام .
تضافر الجهود لتقديم وجبة إبداعية جمالية تحمل المتعة والفائدة والثقافة للناس أينما كانوا في العالم اليوم ، كان القاسم المشترك والرهان على المتلقي ومدى تفاعله مع هذه المبادرات ، التي فتحت الباب واسعاً للقادم من الأيام أمام انتشار استخدام أوسع لحضور الشبكة العنكبوتية ضمن الحياة الثقافية والفنية الأمر الذي يضع تلك المؤسسات والهيئات أمام امتحان صعب فور انتهاء الحجر الاحترازي الصحي الذي يجوب بلاد العالم ، خاصة أن الصلة التي تربطها مع الجمهور المستهدف باتت أكبر وأعمق ، فعندها ستكون أمام تحدي الذهاب نحو خيارات أوسع لاستثمار هذا التقارب مع الجمهور لأن ذلك ينعكس بشكل أو بآخر على حضورها في المشهد الثقافي والإبداعي . والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : ما الآليات التي ستتخذها ؟ وهل ستنكفئ وتعود لسابق عملها الاعتيادي أم ستمتلك ناصية المبادرة والشجاعة لتوظّف التقارب مع الجمهور بالإطار الذي من شأنه أن يساهم في تطوير آلية عملها وجعلها تقفز خطوة أخرى نحو الأمام ؟.