بعيداً عن الوحوش الجرثومية التي انتجت هذه الجائحة الكارثة التي تزداد تفشياً وشراسة في كل دول العالم بلا استثناء ، والتي يتوقع ان تزداد شراسة لتصل الى الذروة التي تحصد حياة المصابين وخصوصاً كبار السن الذين يعانون من امراض مزمنة واصبحوا يشكلون عبئاً على دولهم المنهارة اقتصادياً وستشهد انهيارا وكسادا اكبر ما بعد كورونا .
بعيداً عما تعانيه المنظومة الصحية في (الدول الحضارية) او دول العالم الاول الذي لجأ الى الموت الرحيم ليتخلص من المسنين .
وبعيداً عن حرب النفط الموازية مع الجائحة التي بدأتها اميركا واستجاب لها أتباعها لضرب اقتصادات الدول المنتجة وعلى رأسها روسيا ولانقاذ الاقتصاد الاميركي وبعيداً عن انكشاف بعض الدول الهمايونية التي كانت تعيش على الهامش في الامن الغذائي الذي يسير في طريق الانهيار اذا استمر الوباء لاشهر قادمة والذي سيموت فيه الالاف من الجوع وهم محجورون في بيوتهم . لدرجة ان احدى طبيبات نيوجرسي اعلنت ان الاوضاع المقبلة ستضطرنا لاختيار من سيعيش ومن سيموت .. وسنختار الاصغر سناً للبقاء .
وبعيداً عن انكشاف هشاشة المنظومة الصحية المختصة في مكافحة الجراثيم سواء كانت قاتلة او عادية .
باختصار ان من يريد ان يعرف العالم على حقيقته فلينظر الى اميركا الوحش والى اتباع ثقافة المال والملكيات والاحتكارات ومافيات الشركات العائلية السبع الحاكمة للعالم التي اصبحت ثماني .وباختصار ايضاً فإن كل ما يجري الآن مخطط له ومن صنع البشر الذين يريدون القضاء على اي منافس لهم، وهذا ما اثبتته كل المعلومات ودراسات التقصي ، ولا داعي لتكراره في اطار نظرية المؤامرة او خارجها . فلقد انفلت الوباء المتحول والاستنسابي وتفشى وسيحقق اهدافه ولن يمنعه الا تدخل من الله عزوجل .
اطلنا فيه ” بعيداً” .. وقد آن الاوان الان لندخل في الوجدان الجديد للبشر والذي لم ينتظر حتى انتهاء الوباء وظهر واضحاً في تعاملات الناس بين بعضهم البعض، واصبحوا كما ذكر القرآن الكريم : ” يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ” .
نعم ان الغرب بدأ يتحول لينهي المفهوم المجتمعي لصالح الفرد الذي لم يهمه الا نفسه مع اننا ما زلنا في البداية .
فالفــايروس سيكون جزءاً من حياة الناس الى الأبد وسيغير الكثير من أصول الحياة ولاسيما نمط التعليم والتسلية والتسوق والعادات والعلاقات والتقاليد بما في ذلك الميول العاطفية التي تختار هذا وترفض ذاك وتفضل انساناً على آخر تبعاً للاهواء المستجدة .
وحتى السياسات الاقتصادية سوف تتغير حيث لن تجد بعض الدول مهما بلغ تقدمها فرص عمل لمواطنيها ، وحول هذا قال جون كينز مؤسس الاقتصاد الكينزي : عن تدخل الدولة في تفعيل الاقتصاد :”إذا اضطرت الدولة أن تهدم ربع لندن ثم تعيد بناءها من أجل خلق فرص عمل فعليها فعل ذلك ” ، وهذا ما ستقدم عليه الكثير من الدول اي تدمر لتعمر من اجل دوران الحركة الاقتصادية .
وما فعلته جائحة كورونا ان كل شيء سيعاد النظر فيه حتى الاخلاق ، وقد بدأت ارهاصات هذا التغيير من خلال تعامل سلطات الخوف مع البشر اذ لم يعد يهمها ” عدا القليل ” ان يموت المواطن جوعاً وهو محجور في منزله افضل من أن ينقل العدوى الى غيره .. فالكورونا اصبحت الآخر .. اي آخر .. ما عدا انا !
وإن غداً لناظره قريب
معاً على الطريق: د . عبد الحميد دشتي