عندما يتمكن فريق وطني ضم مهندسين وفنيين من غرفة صناعة حلب خلال فترة زمنية قياسية من وضع نموذج أولي لجهاز تنفس اصطناعي من الألف إلى الياء هو قيد التجربة الطبية حالياً في بلد يخضع لعقوبات اقتصادية قسرية، فهذا الإنجاز من دون شك يستحق التقدير والفخر لأسباب عديدة سنأتي على ذكرها لاحقاً، ولا أعتقد أنه شكل مفاجأة لأحد، فبلدنا يزخر بالكوادر المبدعة والخبيرة وفي مختلف المجالات والقطاعات ودلائل تميزها تشهد لها بلدان متقدمة ساهمت فيها العقول والأيادي السورية في تطورها العلمي والبحثي وغيرها العديد من مجالات الإبداع.
وبالعودة لأسباب النظر بعين التقدير والفخر لإنجاز كوادرنا المحلية فلكون هذه الكودار عملت وأنجزت جهازاً من مواد متاحة محلياً في ظل ظروف الحصار الاقتصادي المفروض الذي لو استطاع من يفرضه على بلدنا أن يقطع الهواء حتى لما تأخر ثانية في ذلك.
ولا يقل أهمية عما تقدم أن التوجه لوضع هذا الجهاز بالتطبيق العملي يأتي من الحاجة الماسة له في ظل تحديات وتداعيات مخاطر فيروس كورونا بعد أن واجهت أنظمة صحية عالمية ومتقدمة أزمة النقص الكبير في هذه الأجهزة، لذلك فإن إنجاز كوادر حلب يأتي في وقته تماماً.
وبالطرف المقابل لربما يتمكن هذا الإنجاز ومن أطلقه من دق جرس التنبيه لأصحاب القرار لأهمية تلك الكوادر السورية المبدعة في مختلف مجالات العلم والموزعة على امتداد الجغرافية السورية وضرورة احتضانها وتوفير كل مستلزمات ترجمة ما تزخر به هذه العقول من أفكار على أرض الواقع بعد حالة الإهمال والاستهتار بمقدراتها وطاقاتها لسنوات طويلة، تشهد عليها تلك العيون المترجية والآمال الكثيرة التي علقها وانتظرها عشرات إن لم نقل مئات المبدعين الذين شاركوا في معرض الباسل للإبداع والاختراع في دوراته العديدة دون أن تتمكن اختراعاتهم من أن تجد من يتبناها رغم أهميتها وحاجة البلد لها، وحده الإرهاب الأسود وكل من وقف خلفه أدرك قيمة هذه العقول وخطرها عليه، فكانت يد الغدر التي اغتالت منذ بداية الحرب التي فرضت على سورية تلك الكوادر المبدعة.
ونموذج الاختراع الحلبي سبقه نماذح وحالات عملية عديدة لأياد سورية مبدعة وماهرة وخبيرة تمكنت رغم كل الظروف الصعبة وقلة المعدات والتجهيزات وقطع الغيار والحصار من صيانة وتشغيل آلات صناعية وغيرها أعادت عجلة العمل والإنتاج لمنشآت في القطاع العام سعى الإرهاب بكل طاقته لعرقلتها وتدميرها لزيادة الضغط الاقتصادي والمعيشي على الناس.
ورغم أن مسؤولية الإهمال والاستهتار بكل تلك المقدرات والطاقات تتحمله مؤسساتنا الخاصة والعامة على حد سواء، إلا أن فرصة نفض الغبار عن ملفات الإبداعات المتراكمة في الأدراج واحتضان مبدعيها قائمة حالياً وهذا وقتها، والأهم الإيمان والإدراك التام من أصحاب القرار بأهمية توجيه بوصلة الدعم نحو الأبحاث العلمية في مختلف القطاعات للنهوض بالاقتصاد الوطني، لأنه السبيل الناجع للوصول لبوصلة دعم المواطن.
الكنز- هناء ديب