يتراجع الخلاف حول العلاقة بين السياسية والاقتصاد وأي منهما يشكل القاطرة التي تقود الآخر وذلك في ظل ظهور عامل مستجد على الساحة الدولية ألا وهو العامل الصحي فليست القوى الاقتصادية كلها قادرة على تحديد اتجاه محاربة فيروس كورونا والتصدي لهذه الجائحة الكونية ، بل على العكس يتم إخضاع كل المقدرات الاقتصادية والصناعية والتكنولوجية والمالية للاحتياجات التي تتطلبها خطط المواجهة لهذا الفيروس المتمرد على القوانين والإجراءات وكل سبل المنع الدولية .
وكذلك الأمر بالنسبة للعامل السياسي الذي كان يرسم المخططات ويضع الخطط التنفيذية المرحلية في كل فترة مستهدفة، فقد أجبر الفيروس اللعين جميع الزعماء السياسيين وملوك ورؤساء الدول والحكومات على الانصياع للبرامج والخطط التي يقررها الأطباء والمختصون والباحثون لمواجهة هذه الجائحة التي لا تستثني دولة في أي مكان من العالم ، وأن الزعماء الذين كابروا ورفضوا الأخذ بتعليمات الأطباء الاختصاصيين منذ البداية اضطروا للتراجع مرغمين بعد تفشي المرض وانتشاره في بلدانهم أو في محيطها القريب، وهم اليوم يسارعون للبحث في المواقف التي تجمعهم على موقف واحد لمواجهة الخطر الذي يتهدد البشرية بأنشطتها الاقتصادية والسياسية والمعاشية كافة ، ويبدو أنه يرسم حدوداً جديدة ما زال الحديث بشكلها النهائي مبكراً ولم يحن أوانه بعد.
وفي ظل حالة التخبط والتذبذب الناجمة عن ضخامة حجم المعلومات المتعلقة بالفيروس التي يتم ضخها في وسائل الإعلام العالمية يومياً ، فضلاً عما يتم نشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، تتعدد وتتشعب وتختلف التحليلات والتوقعات في التحولات التي سينتجها ظهور هذا الفيروس وانتشاره في أنحاء الكرة الأرضية ،فهل هو شكل من أشكال الصراع الدولي وأحد مظاهر حروب الجيل الرابع التي يتم إدخالها بحرفية عالية وبصورة شيطانية بحروب الجيل الرابع، حيث يتم استلاب الشعوب والمجتمعات والدول من الداخل وبالتالي السيطرة عليها بأقل التكاليف ، أم أن الأمر بعيد عن المؤامرات وأبعادها وما هو إلا مجرد مرض فيروسي يتم انتشاره وفق أسلوب تلقائي لم يكن للبشر يد في إيجاده ونشره وربما التحكم بمناحي امتداداته المرضية..
وهنا فإن كل نظرية تجد من دعائمها الكثير في الوقت نفسه الذي تجد فيه ما يدحضها بالقدر نفسه ويزيد، وهنا قد تكون المواقف العقائدية هي المحدد لتلك التوجهات والأحكام التي ما زالت بحاجة لبعض الوقت حتى تنجلي خفاياها، ولأن الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة أكبر قدر من عمليات التدخل في مقدرات الدول والشعوب فإن هذا يعزز الرؤية التي توجه الاتهامات إليها بأنها المسؤولة عن كل المساوئ التي تصيب الشعوب، وهي هنا إن لم تكن من أنتج الفيروس في مخابر استخباراتها فإنها تستفيد بسرعة من تداعيات انتشاره المخيفة .
المتابع لحال مجلس الاحتياطي الأميركي، الذي يلعب دور المصرف المركزي الأميركي وهو غير مملوك للدولة ،بينما يملكه أفراد عائلة واحدة منذ مطلع القرن العشرين ، نجد أنه قد رفع رصيده بداية الأسبوع الماضي من 4.5 تريليون دولار إلى 5.8 تريليون دولار ، ليعيد رفعها إلى 8.1 تريليون دولار يوم الخميس الماضي ، وهو دون أدنى شك سيستمر في رفعها من خلال طباعة المزيد من الأوراق النقدية ، مستغلاً الوضع العالمي المتردي في ظل جائحة كورونا ، وهو ما سيمكن الولايات المتحدة الأمريكية لاحقاً من شراء أصول كبريات الشركات في العالم ، ولاسيما شركات النفط في الدول العربية بخاصة بعدما تتراجع أسهمها وقيمتها،
ونذكر أن هذا الأسلوب امتداد لأزمة الرهن العقاري عام 2008 حيث رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي رصيده من 800 مليار دولار إلى 2.3 تريليون دولار كمقدمة وخطوة في سبيل السيطرة على مقدرات العالم وشراء الأصول الاقتصادية والمالية.
هذا واحد من المؤشرات الهامة التي قد تدخل عوامل التغيير المستقبلية التي يتوقعها المراقبون والباحثون المستقبليون والاستشرافيون.
معاً على الطريق- مصطفى المقداد