ثورة أون لاين -يمن سليمان عباس:
سادت لفترة من الزمن ربما تجاوزت الربع قرن فكرة أن الأدب ليس ابن الحياة بل هو محض الخيال وليس دور الابداع بشكل عام أن يكون صاحب رسالة اجتماعية وقومية وإنسانية..
هذا كله جرى التمهيد له مع التحولات السياسية والفكرية التي تمخضت عن انهيار الاتحاد السوفييتي وربما ظن الكثيرون أن مفهوم الأدب المقاوم أو الملتزم هي فكرة سوفييتية ..
فاتهم انها بنت الحياة وان الأدب منذ أن كان وهو يحمل في رسالته القيم النبيلة ويدافع عن الإنسان ومصيره ويسعى إلى تحسين الواقع وتفسيره وتغييره ..منذ الشعر الجاهلي إلى اليوم مرورا طبعا بما قدمه اليونانيون في ملاحمهم الكبرى..
اليوم يستعيد الأدب بقوة رسالته العظيمة ويتجلى الدور الذي يجب أن يحافظ عليه بقوة وصرامة ولا يعني هذا أن يتحول إلى دروس وعظ ..لا ابدا بل إن يرتقي بأساليبه الفنية والجمالية ويقدم الرؤى الاستشرافية التي تميز بها دائما دون الجمود عند معطى ثابت لا يتحرك أو يبتعد عنه ..
وهنا يمكن المتابع أن يشير إلى دراسات مهمة جدا صدرت عن الأدب المقاوم عبر التاريخ عشرات الدراسات ولكن أكثرها عمقا وأبعدها غورا تلك التي جاءت تحت عنوان أدب المقاومة للدكتور غالي شكري وصدرت عن دار المعارف في مصر..
ومازال الكتاب يمثل مرجعا مهما لكل الدراسات التي يمكن أن تتناول الأدب المقاوم وتبحث في جذوره وتطوراته …تناول شكري مساحة زمنية كبيرة من القديم إلى الحديث ودرس شعراء ومبدعين عربا وعالميين ..
وكان لافتا انه تحدث عن البعد الاجتماعي في أدب المقاومة عند محفوظ والحكيم وادريس والشرقاوي ..
وميز بين الأدب الذي استشرف القادم ونبه وارتفع إلى مستوى النبوءة ..وبين الأدب الذي يؤرخ للأزمة بعد انتهائها بفترة من الزمن …
ومثال على ذلك نجيب محفوظ في ثرثرة فوق النيل وميرامار كان بمثابة النذير قبل النكسة اي انه كان على وعي نافذ البصيرة بما حدث …
اما ما كتب عن النكسة بساعات حسب غالي فهو ليس من الأدب المقاوم بشيء لانه ردة فعل ..
اليوم ما أحوجنا إلى رؤى استشرافية معمقة تقرأ الواقع وترصد مشاكله وتحذر من القادم من خلال ابداع راق ليس ردة فعل عابرة ..والأدب في العالم كله على ما يبدو بدأ يستعيد هذا الدور ..إلى جانب الدراسات التي تعنى بالعمق الاجتماعي والإنساني الفعلي ..
والظرف الذي يمر به العالم كما سيترك أثره على كل الوان الحيوات الأخرى سيفعل مع الابداع بفنونه المختلفة ..