الثورة – فاديا هاشم:
في ركن صغير تضيئه مصابيح صفراء خافتة، يتناثر الغبار الأبيض، كأن المكان يغلي بسحر خفي، هناك، تتعامل النحاتة الشابة سيدره العبدة ٢١ عاماً، مع الرخام كما لو كان طيناً طيّعاً بين يديها، ضربات إزميلها لا تُحدث شروخاً في الحجر فحسب، بل تُطلق حياة جديدة من بين صلابته.
النحاتة العبدة لم تأتِ من خلفية فنية عريقة، ولا من مدرسة كلاسيكية صارمة، بل من شغف طفولي كانت تمارسه خلسة وهي تجرّب تشكيل الطين في فناء المنزل.
بدأت الفنانة الشابة حديثها لـ”الثورة” معبّرة عن شغفها لفن النحت، قائلة: حين كنت صغيرة وأنا أحبّ الفن وخصوصاً النحت، كانت عائلتي تهتم بالفن والرسم والموسيقا، ووالدتي كانت تأخذني إلى السوق وأشتري أشياء للنحت وقوالب صغيرة من السيليكون، كي أتعلم بها مختلف ألوان الرسم، وفي المرحلة الثانوية ما كان جوابي أبداً في حيرة، في اختيار التخصص الذي كنت أتمناه أو أحلم به.
وتتابع: كان قلبي متعلقاً بعالم الألوان والخيال البصري وأعلم أنه طريقي إلى الفن، وأن الفضل الأول والأخير لوالدتي، الداعم الكبيرلي، حين نجحت في الثانوية العامة الفرع العلمي بعلامات عالية، تقدّمت لفحص القبول، وتمّ قبولي واجتزت الامتحان العملي وبعلامة عالية في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، وعندها بدأت رحلتي إذ وجدت في القاعات والورشات ما كنت أبحث عنه منذ سنوات، وهي مساحة للتعبير ومكان يحول الشغف إلى مشروع حياة وكانت الاختصاصات كلها جميلة، ولكن النحت أجد فيه متعة أكثر، هكذا كان إحساسي من شدة حبي له.
وبدأت رحلتي الجامعيّة إلى أن وصلت الآن للسنة الرابعة، كانت أعمالنا في الجامعة فردية وجماعية، وعملنا ورشة عمل جماعية وورشة رسم بروشورات لتخدم العمل بالجامعة، تحت إشراف الأستاذة شانتال، والدكتورة بتول خاونده، وهوعمل جماعي استفدنا من خبرات بعضنا كطلاب وكان إنجازاً جميلاً ورائعاً، كما كان لي عدة أعمال خاصة بي.
وختمت سيدرا حديثها بالقول: أنا لا أنحت منحوتة، بقدرما استحضر كائناً كان مختبئاً في صمت الحجر، وكلّ كتلة حجرية تحمل قصّة تنتظر من يصغي إليها، وأنا مجرد مترجمة لها، استوحي أعمالي من انحناءات الطبيعة واندفاعاتها، وفي كلّ قطعة، هناك صراع داخلي بين القوة والحنان، بين الانكسار والنهضة، هكذا لخصت سيدره رحلتها الشخصية كفنانة اقتحمت مجالاً طالما وُصف بأنه “أرض الرجال”.