ثورة أون لاين – يمن سليمان عباس:
لم ينم السوريون على ضيم، وما تركوا محتلاً غادراً يعيث فساداً على أرضهم.. حقائق التاريخ تنبيك بالبطولات التي سطرها السوريون.. لم يمر يوم إلا وهم يعيشون فيه فعل النضال والقدرة والعمل.. وكم من معارك خاضوها ليصلوا إلى الاستقلال فالجلاء.. اليوم نكمل المعركة وغداً سيهل الجلاء الأكبر في كل شبر من سورية، حكاية نصر ووعد هو اليقين أن القادم لنا..
كانت فرحة الجلاء قيثارة الأدب شعراً ونثراً، ومازالت.. يوم وقف بدوي الجبل في اللاذقية خطيباً بأبناء العروبة: أيها الشباب أيها الأخوان.. سادتي: هذا يوم القومية العربية، لا يوم إسلامية ولا نصرانية.. هذا يوم الأمة مجتمعة قوية، لا يوم طائفية ولا إقليمية.. هذا يوم سيد العرب محمد بن عبد الله الذي أنشأ قومية العرب وتاريخ العرب ودنيا العرب.. هذا يوم محمد بن عبد الله الذي خلع جلال القومية على جلال الإسلامية فقال «أنا عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة عربي».. هذا يوم عيسى بن مريم الذي رمز إلى سمو الإنسان والنصر بالاستشهاد على الطغيان، فلا أدري وهو يدعو إلى الإخاء ويمسح دموع الضعفاء أكان هدية السماء إلى الأرض أم هدية الأرض والسماء؟.. وبارك الله في الديانتين الشقيقتين الإسلامية قوة وإيماناً والنصرانية رحمة وحناناً.
هذا يوم الفاروق الأكبر عمر مزلزل الظلم والظالمين وهازم القياصرة والفراعين.. هذا يوم عمر الذي تحدى الطغيان في كل زمان وفي كل مكان.. فجلجل صوته يعصف بالظالمين المتأخرين منهم والمتقدمين: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟».. فيا أمير المؤمنين: أشرق في الأفق الأعلى لترى كيف تحدينا الفرنسي وحديده وعدته وعديده، وكيف جلجل صوتنا في سمع الدنيا وبصرها: أيها الفرنسي أيها الظالم الغاشم متى استعبدتنا وقد ولدتنا أمهاتنا أحراراً؟.. ثم كشفنا لرصاصه صدورنا، ولحرابه نحورنا حتى سلّم له خزيه وعاره وسلمت لنا حريتنا وكرامتنا..
اليوم يوم خالد بن الوليد والغطاريف الميادين من إخوانه.. فيا سيف الله ويا سيف رسول الله: لقد أنزلت راية القياصرة عن هذه الديار الشامية، ونحن اليوم ننزل راية الفرنسيين عن كل قلعة وثكنة، وعن كل مدينة وقرية، ثم نرميها في أمواج هذا الأزرق الرجراج لنغرقها في أذية المندفع كما أغرقنا قبلها راية الأكاسرة، وكما أغرقنا قبلها راية القياصرة، وكما أغرقنا قبلها راية الأتراك.. اليوم يومك أيها الرئيس الزعيم وهو يوم إخوانك المؤمنين: من كتب الله له البقاء ومن كتب له سعادة الشهداء فلقد والله تقدمتم الصفوف وتحديتم الحتوف.. وكلما سقط شهيد منكم أسلم اللواء لشهيد حتى ولم يبقَ من اللواء وهو يرتفع إلى السماء إلا مزق من الدماء.
اليوم يومكم أيها الشهداء ألا ترون الراية البغيضة وقد نكست ودياركم وقد طهرها الدم فما تدنست.. اليوم يومكم أيها الشهداء، فقد بينتم نهاره من إبائكم وليله من شفائكم وفجره الأحمر من دمائكم.. ولقد انتقم الله لكم والله عزيز ذو انتقام.. أما رايتهم فقد طويت.. وأما صولتهم فقد محيت.. {ما ظننتم أن يخرجوا، وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، وقذف في قلوبهم الرعب، يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار} -الآية-.
اليوم يومكم يا أهل الشهداء.. زغردن يا أخوات الشهداء.. زغردن يا بنات الشهداء.. زغردن يا أمهات الشهداء.. فعروس الجلاء غالية حسناء، وقد أعطى الشهداء صداقها من أرواحهم وسكبوا العطور عليها من كلومهم وجراحهم.
اليوم يومكم أيها الشباب.. لقد قال لكم الفرنسي إن العزة لي، فقلتم له: خسئت.. إن العزة لله ولرسوله وللوطن وللمؤمنين.. وقال لكم الفرنسي: أنا القوة القاهرة.. فقلتم له: خسئت.. نحن قوة الله في هذه الأمة، وقوة الله هي الغالبة الظافرة.. ثم ابتدرتم المعركة تخوضون نقعها الأكدر وبلاءها الأحمر هاتفين: الله أكبر.. الله أكبر.. فتردد الدنيا: الله أكبر الله أكبر.
هذا يومكم أيها الشباب، لقد كنتم الأمناء على أمجاد العرب وتاريخ العرب، فما شغلكم الصبا الريان عن مكافحة الطغيان، ولا صرفتكم الواجبات المدرسية عن الواجبات القومية.
أيها الشباب أيها الملائكة الأطهار لقد كنتم في تاريخ الثورة القومية كفاحاً وجهاداً وستظلون لتاريخ أمتكم بقاء وسعة وامتداداً.
هذا يومك أيتها المرأة العربية، لقد قربت البنين على مذبح الاستشهاد ضاحكة مستبشرة، وقبرت بيديك الحنونين صدعي الحرية من الأزواج والبنين وأنت مهللة مكبرة.. فيا زينب أميرة تدمر، ويا خولة بنت الأزور: إن المرأة العربية في هذا الجيل ليحمل منكباها الإرث النبيل والمجد الأصيل.. هذا يومك أيتها المرأة النصرانية فيك إشراق وإيمان وفروع منضرة من غسان.. والإسلامية فيك ليست مجرد شريعة ودين بل شريعة وقومية ويقين.
اليوم يومكم أيها العرب، الأرض للوائكم والسماء لشهدائكم.
هذا الخطاب الرائع لشاعر مبدع أعطى الوطن كل إبداعه يتغنى به ليس هو النص الوحيد الذي قدمه بدوي الجبل بل نشير إلى ما في ديوانه من روائع خلدت الجلاء وتغنت به، مثل قصيدته (جلونا الفاتحين) وقصيدة (يا سامر الحي) وقصيدته (عيد الجلاء) وغيرها كثير.
أما بدر الحامد فهو القائل:
على روابيكِ أنفاسٌ مطهَّرةٌ
وفي محانيكِ أشلاءٌ وأجسامُ
هذا الترابُ دمٌ بالدّمعِ ممتزجٌ
تهبُّ منه على الأجيالِ أنسامُ
لو تنطق الأرضُ قالت: إنني جدَثٌ
فيَّ الميامينُ آسادُ الحمى ناموا
ستٌّ وعشرونَ مرّت كلما فرغتْ
جامٌ من اليأسِ صِرفاً أترعَتْ جامُ
لولا اليقينُ ولولا اللهُ ما صبرتْ
على النّوائبِ في أحداثها الشّامُ
يومُ الجلاءِ هو الدنيا وزينتُها
لنا ابتهاجٌ وللباغين إرغامُ
وجهُ الغرابِ توارى وانطوى علَمٌ
للشّؤمِ مذْ خفقَتْ للعينِ أعلامُ
يا راقداً في روابي (ميسلونَ) أفِقْ
جلتْ فرنسا فما في الدّارِ هضَّامُ
لقدْ ثأرْنا وألقينا السّوادَ وإنْ
مرَّتْ على الليثِ أيّامٌ وأعوامُ
هذي الديارُ قبورُ الفاتحينَ فلا
يغرُرْكَ ما فتكوا فيها وما ضاموا
مهدُ الكرامةِ عينُ اللهِ تكلؤها
كم في ثراها انطوى ناسٌ وأقوامُ
تجرُّ ذيلَ التّعالي في مرابعِها
المجدُ طوعٌ لنا والدهرُ خدّامُ
فيا فرنسا ارجعي بالخزيِ صاغرةً
ذكراكِ في صفحةِ التّاريخِ آثام
هي العروبةُ – والأيّام شاهدةٌ-
يحمي حماها من الأفذاذ أفهامُ
أمنيَّةٌ قالَ فيها كلّ ذي غرضٍ
آمالُكم هذه في الدّهرِ أوهامُ
يا منكرَ الشّمسِ هذي الشّمسُ قد طلعت
دنيا الهناءةِ عامٌ بعده عامُ
في الشعر والرواية والتشكيل حبر النصر وعبقه باق.. ويزداد نضرة وبهاء.. سورية التي تغير مجرى العالم بنصرها على الإرهاب، اليوم تستكمل جلاءها وتمضي بهية قوية للغد الأنقى.