لم تدخل التراشقات السياسية ما بين الولايات المتحدة الأميركية والصين مرحلة المواجهة الفعلية على الرغم من كل أحاديث اللمز وإطلاق التصريحات ومحاولة إدخال مصطلحات جديدة كالفيروس الصيني، فالمعركة في مضمار الوباء ما زالت في بدايتها، وإن كان البعض يعتقد أنها امتداد لحرب تجارية واقتصادية، بدأت بفرض رسوم إضافية على المستوردات الأميركية من البضائع الصينية ولم تنتهِ بالعقوبات على شركة هواوي والتراجع عنها خلال مفاوضات تشغيل برنامج الجيل الخامس من الإنترنت G5.
فما التوقعات المستقبلية أمام هذه المستجدات الوبائية المترافقة باتهامات للصين بالمسؤولية عن إخفاء معلومات بشأن فيروس كورونا؟
لم يحسم الأمر علمياً بشأن منشأ الفيروس بصورة نهائية توقف الجدل وتنتقل لتوجيه الاتهامات أو تركها والابتعاد عنها، إذ ما زال العلماء أنفسهم يطرحون نظريات وافتراضات متناقضة حتى ضمن دول وداخل مراكز بحثية علمية متخصصة في علوم الوبائيات مثل معهد باستور في باريس، إذ ذهب البروفيسور لوك موننتانييه الحاصل على جائزة نوبل في الطب لمشاركته في كشف فيروس الإيدز، ذهب إلى أن فيروس كورونا ناتج مخبري خلال عملية محاولة إنتاج لقاح ضد الإيدز، ولكن هذا الرأي لم يبق متفرداً واحداً فقد نقضه سريعاً البروفيسور إتيان سيمون لوريير الباحث في معهد باستور في باريس حين اعتبر كلام زميله لا معنى له باعتبار أن عائلة كورونا بطبيعتها تحوي أجزاء بسيطة من المكونات التي تتشابه مع السلاسل الجينية في فيروس الإيدز.
وما زال الجدل والاختلاف مستمرين على المستوى العلمي في جميع مراكز الأبحاث العلمية المتخصصة في مجال الوبائيات من دون الوصول إلى نتيجة علمية حاسمة.
أمام هذا الواقع وما يقدمه من أوراق قوة شكلية ينطلق الرئيس ترامب في هجومه على الصين واتهامها بأنها المسؤولة عن إنتاج الفيروس في مخابر ووهان ونقله ونشره في بقية دول العالم فضلاً عن عدم تقديمها المعلومات العلمية لمراكز الأبحاث للتعاون في مواجهة مخاطره وذلك خلافاً للحقيقة، إذ إن الصين تبادلت كامل المعلومات بشأن الخريطة الجينية للفيروس ولم تحتكرها، الأمر الذي يضعف موقف ترامب الاتهامي، ما يجعله يطلب العون من حلفائه التقليديين في توجيه اتهامات مثيلة، فما أن انتهى ترامب من إطلاق اتهاماته للصين حتى لحقت به كل من فرنسا وبريطانيا واتباع النهج ذاته، وهنا من غير المستبعد أن رأي مونتانييه يدخل ضمن هذا الإطار ولا يخرج عنه أبداً.
وتأتي الاتهامات في ظل واقع اقتصادي مخيف بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية وفي فترة الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني القادم مع ما يواجه ترامب من اتهامات سياسية وصلت حد المطالبة بعزله مع فشل تلك المحاولة، فترامب الذي حقق نقلة معيشية للمواطنين الأميركيين بسياسات الابتزاز وغيرها يقف عاجزاً أمام الوضع الاقتصادي المتدهور للدولة الفيدرالية، فقد حذر مكتب الميزانية التابع للكونغرس منذ كانون الثاني الماضي من أن الدين العام سيرتفع فوق ١٠٠% من الناتج الإجمالي وهذا الأمر لن يتوقف في ظل السياسات الحكومية المتبعة في الإنفاق، إضافة إلى أن عجز الموازنة سيتجاوز التريليون دولار في هذا العام وهو أعلى عجز تشهده الحكومة الاتحادية والأمر مرشح للتدهور في الأيام والأسابيع القادمة، إذ إن هذا الدين سيدخل مرحلة غامضة قبل الانتخابات التي ستشهد تباري المرشحين للتعهد بخفض الضرائب بشكل كبير مترافقاً مع زيادة في الإنفاق.
وهنا قد تكون النقطة الصعبة والمعقدة التي تواجه ترامب وتهدد مستقبله الرئاسي فيسعى لحشد جميع الوسائل التي تساعده على تحقيق هدفه، وليس هناك من معركة أكبر من معركته مع الصين بعد هذه السلسلة من المواجهات والحروب الباردة، ولا يبقى بعدها إلا احتمال الدخول في حرب حقيقية تضمن استمرار ترامب في البيت الأبيض بسبب ظروف الحرب وتخرج البلاد من الأزمة الاقتصادية غير القابلة للحل، ليبقى الأمر مفتوحاً على احتمالات أخرى تعززها الوقائع والأحداث التي لم تكن يوماً في ميدان التوقعات!.
معاً على الطريق- مصطفى المقداد