ثورة أون لاين – تحقيق غصون سليمان..ميساء الجردي:
-نصنع ما يصنعه العالم ..ولم تتوقف معامل الأدوية طيلة سنوات الحرب العدوانية .
فارما :ننتج مستحضرا جديداً على مستوى العالم يتعلق بالأمراض القلبية.
على الرغم من الحصار الظالم المفروض قسرا على بلدنا من قبل الدول والحكومات التي تدعي التمدن والتحضر لما يقارب العشر سنوات نجد أن الصناعات الدوائية في سورية تعود تدريجيا إلى مرحلة التعافي والازدهار وتصل نسبة الإنتاج في تغطية الحاجة المحلية إلى 92% بحسب إحصائيات وزارة الصحة، إلاّ أن هناك تساؤلات عديدة تحيط بهذه الصناعة من وجهة نظر صيادلة أكاديميين وأصحاب شركات، تتمحور حول عدم إمكانية الاستفادة من المواد الأولية المحلية المتوفرة لدينا، وعدم القدرة على إنتاج أدوية لا يعرفها الغير، وعدم الاستفادة الكافية من الأبحاث العلمية التي تنتجها الكليات لتحسينها وتطويرها.
بين الواقع والمأمول
مرت الصناعة الدوائية خلال فترة الحرب العدوانية على سورية بفترات عصيبة جدا وهناك معوقات عديدة أثرت على وجود الشركات والإنتاج والأصناف المنتجة وغيرها إلا أنه يمكننا القول أن الصناعة الدوائية السورية ترفع لها القبعة لأنها اجتازت هذه المرحلة والأزمة بشكل كبير وحافظت على مستويات الجودة المقبولة.
ففي المؤتمرالثاني والعشرين للجمعية العلمية لكليات الصيدلة في الوطن العربي “جامعة دمشق كلية الصيدلة ،و العلمي الصيدلاني العربي الذي عقد مؤخرا في جامعة دمشق . تم الكشف عن كثير من المعطيات المتعلقة بالصناعة الدوائية الوطنية ، ومدى الحاجة للأدوية الجديدة لعلاج العديد من الامراض الطارئة .
اظهار السلبيات بهدف التطوير
الدكتور عامر مارديني أستاذ في جامعة دمشق واختصاصي في الرقابة الدوائية: يكشف عن وجود عناصر نجاح في الصناعة الدوائية المحلية رغم وجود التحديات الكبيرة التي تلامس القضايا الحساسة المتعلقة بهذه الصناعة، مبينا ضرورة تسليط الضوء على جميع السلبيات بهدف تطويرها وليس انتقادها لأن ذلك يعد تصويبا ايجابيا بالنسبة لأصحاب الشركات الدوائية ليأخذوا بعين الاعتبار القضايا التي يجب الحديث عنها بكل تجرد.
ويرى مارديني أن الصناعة الدوائية لا يمكن أن تتطور، طالما هي صناعة عائلية ولم تتحول إلى صناعة بشركات مساهمة، ولم يتم فصل الإدارة عن رأس المال، كما هو الحال في الدول المتقدمة بهذه الصناعات وكما يجب أن يكون الأمر سواء بالتعليم أو الصناعة، وهي النقطة الحساسة التي تتمحور حولها القضايا الأخرى لأنه بالفصل يمكن الانطلاق بفتح شركات مساهمة تسمح لكل المشتركين بتطويرها. مع ضرورة إدخال مواضيع البحث والتطوير في عملية التصنيع. إذ لا يمكن الاستفادة من الأبحاث العلمية الصيدلانية الجديدة إذا لم تخرج هذه الصناعة من الإطار العائلي.
أقرب إلى التحويلية
ليست المشكلة بارتفاع أسعار الأدوية فهي رخيصة جدا بالمقارنة مع أسعار الأدوية العالمية، إلا أن الصناعة الدوائية لدينا لا تزال صناعة أقرب إلى التحويلية، ففي أغلبها تعتمد على شراء المواد الأولية وإنتاجها بحسب الدكتور مارديني فنحن ننتج مادة دوائية تشبه الدواء الذي تنتجه الشركة الأم ومعظم صناعتنا الدوائية تحويلية ولا يوجد من هو يخترع شكل صيدلاني جديد، وهذا الأمر ينطبق على الكثير من الدول، فحتى الآن لا يوجد سوى الدول الكبيرة التي دخلت هذه الصناعة، وذلك لصعوبات كبيرة
،وبالتالي نحن نصنع ما يصنعه العالم بعد أن نأتي بالمواد الأولية.معتبرا أن صناعة مواد أولية محلية كما يقول البعض، كلام لا ينطبق مع الواقع فهناك دول متطورة جدا في إنتاج وتصنيع أي مادة دوائية بأسعار رخيصة مثل الصين والهند، وبالتالي يصعب منافستها باليد العاملة والقدرة المالية أو الكفاءة، لأن لديهم يد عاملة رخيصة ورأس مال كبير ويصعب إيجاد سوق مماثل للسوق الذي تمتلكه الصين أو الهند أو الأرجنتين. ولكن يمكن تطوير هذه المنتجات لدينا في حال فصلنا رأس المال عن الإدارة.
رؤية صيدلانية
يتكرر الحديث حول أصناف جديدة ومنتجات منافسة فقد أكدت الصيدلانية هدى معطي من شركة أبو زهر على وجود منتجات تنافس المنتج الأجنبي وعلى سبيل المثل مضاد تخثر اللمفوما الحديث وسعره خمسة ألاف ليرة سورية يضاهي في جودته وفعاليته الدواء الأجنبي الذي يباع بقيمة 45 ألف ليرة وهناك أصناف جديدة تنفرد فيها كل شركة دوائية. مشيرة إلى أن التصنيع في الشركة لم ينقطع خلال فترة الحرب رغم صعوبات تأمين المادة الأولية والتي لا نزال نسعى لتأمينها ضمن نفس المواصفات.
بالسياق نفسه هناك خريجي صيدلة جدد يعملون على شكل فريق عمل واحد لإنتاج بعض المستحضرات الدوائية فقد أكدت الصيدلانية هبة علون أن فريقهم الذي تشكل منذ ثلاث سنوات يعمل على إنتاج مجموعات من الأشكال الدوائية ضمن الصيغ والمعايير المطلوبة وعادة تكون البداية تصنيع أدوية ومنتجات خفيفة مثل المسكنات ومستحضرات التجميل
وتحدثت الصيدلانية أمينة لحام عن ضرورة فتح باب المعامل الدوائية أمام خريجي الصيدلة، واستقبال أعداد كبيرة منهم وبخاصة أن هناك منافسين للدخول في هذه الشركات مثل خريجي الكيمياء والعلوم مع أن الصيدلة هي الحجر الأساس بالنسبة للتصنيع الدوائي، فحتى الآن لا تستفيد المعامل من خبرات الصيادلة بالعدد المطلوب ولا حتى من الأبحاث التي تجرى في الكليات حول التصنيع الدوائي.
الحصار بالدواء
تستعيد الصناعة الدوائية مكانتها السابقة وبحسب الدكتور علاء أصفري مدير التسويق بشركة أشارفارما: يجب أن يكون هناك تمركز لتصنيع الدواء في سورية وهذا يعتبر مؤشر جيد في إعادة الإعمار ، فهناك شركات دوائية كثيرة ولكن لكل شركة أصناف تتميز بها عن غيرها، ونحن حاليا ننتج مستحضرا جديد اعلى مستوى العالم له علاقة بالذبحة الصدرية وهو مهم بالنسبة للأمراض القلبية، ولكن المشكلة بالنسبة للصناعة الدوائية هي كيفية تأمين المواد الأولية في ظل الحصار الظالم على سورية، وهو حصار شمل القطاع الصحي والدواء كما شمل كل مناحي الحياة وعليه فإن الشركات تسعى بطرق عديدة للحصول على المادة الأولية من الدول الصديقة مثل الهند والصين وتايلندا. مبينا ضرورة الاعتماد على البحث العلمي المتواصل لإنتاج أصناف غير مقلدة فهذا يعطي سمعة عالية للدواء السوري.
عقدة الأجنبي
عادت ما يبحث الناس في الصيدليات عن الدواء الأجنبي ويفضلونه نظرا لفعاليته في العلاج على حد تعبيرهم، وتأكيدات العديد من الصيادلة؟ في حين يرى الدكتور أصفري أن ذلك اعتقاد خاطئ، وهذه الإشكالية تعود لما يسمى عقدة الدواء الأجنبي، في حين تمتلك وزارة الصحة السورية كل المخابر اللازمة لتحليل وتدقيق الدواء، وفي مقاربة مع الدول العربية تعتبر سورية، رقما واحدا في الإنتاج والتنوع الدوائي، وتتمتع بسمعة هائلة بالصناعة الدوائية.
وبالسياق نفسه أكد الدكتور محمد إيهاب الجندي نائب مدير تطوير مجموعة معتوق الدوائية: على الريادة الصيدلانية السورية، وهي تغطي معظم المناحي الصناعية الكبيرة، مؤكدا مساعيهم الدائمة لوجود بصمة سورية في عالم الإنتاج الدوائي المحلي، رغم وجود الحصار والعقوبات الجائرة التي تعرقل تأمين المواد الأولية.
نحتاج قفزة نوعية
وحول الصناعات الدوائية بشكل عام وما ينتج منها في حلب بشكل خاص أشار عميد كلية الصيدلة في جامعة حلب الدكتور فواز شحني أنّ سورية بحاجة إلى قفزة نوعية على مستوى الصناعة الدوائية من حيث تصنيع المادة الأولية وهذا الأمر ليس سهلا فهي تحتاج إلى كادر متطور وبحث علمي كامل، لافتا إلى أن الصناعة الدوائية الحالية والظروف التي تحيط بها تعتمد على تطوير منتجاتها وليس اصطناعها حيث تطوير المنتج معترف عليه خارجيا لذا نحن أكثر حاجة لأن تسد صناعتنا الدوائية حاجة البلد يشكل أساسي .
وبين عميد الكلية أن تطويرا لمنتج الاصطناعي يعتمد على إحداث وإدخال مركبات جديدة دوائية، وهذا ما يسعى إليه البحث العلمي الذي سيكون متكاملا بين منهج الصناعة و الأكاديمي وبين الجامعات المعنية .
وحول فعالية المادة الدوائية أشار الدكتور شحني أنه لا يوجد منتجا من أي مادة دوائية إلا وتكون المادة الفعالة فيه 100ب المئة سواء أكانت مستوردة أو منتجة محليا ،وهذه تكون الضرورة في المخبر أما بالجسم فهناك عدة شروط أخرى تحتاج إلى تطويرها لإمكانية دراسة فعالية المادة بالجسم هناك عدة عناصر يجب أن تدخل في الحسبان للتأكد أنها فعالة فعلى سبيل المثال عندما نصنع نحن مادة دوائية أولية في سوريا يجب أن تكون هذه المادة الأولية ناجحة بدرجة جيدة جدا وخاصة في الجسم .
وعن عدد معامل الدواء في حلب ذكر الدكتورشحني أنه يوجد حوالي ٣٥ معملا لم تتوقف وأن كانت تنتج بكميات قليلة وهذه المعامل جميعها تحت سيطرة الجيش العربي السوري ولا شك أن الإنتاج سيكون اجابيا والمراقبة شديدة بحيث تنتج المادة الفعالة الممتازة .أما الصعوبات التي تواجهها الصناعة الدوائية من وجهة نظره فتكمن بأن المادة الأولية كلها مستوردة ومتحكمة بسوق عالمية وبسعر عالمي ما يجعل الوضع بشكل عام خاضعا للتغيرات الاقتصادية ، وأن الحصار الظالم على سورية يضغط على كاهل الصانع والمواطن .
ويرى الدكتور شحني أن الجامعات يجب أن تكون الرديف الأساسي للصناعة بشكل عام وصناعة المادة الأولية فهناك مواد أولية نستوردها سهلة الإنتاج مثل الباراسيتامول ، حب مسكن ألم ،بدلا من أن نستوردها ولا يعتقد أنها تشكل عبئا على الصناعة .
أسعارها اقتصادية
وعن أهمية منتجنا الوطني وحضوره في السوق الداخلية ذكرا لصيدلاني عدي الدروبي بأن الصناعة الوطنية الدوائية متميزة بالجودة والفعالية بشكل دائم إذ غالبا ما تجد تلك الأدوية والمستحضرات تجد طريقها إلى السوق المحلية وبوفرة وبسعر اقتصادي يناسب المريض خلال فترة قصيرة من تواجدها في السوق العالمية .
وحول تداعيات الحصار على الصناعة السورية بيّن الدروبي ان هناك دائما طرق لتأمين المادة بخبراتنا الوطنية منوها بأنه لدينا كل اصناف الأدوية من قلب وسكري والعصبية والأذنية
والأدوية المزمنة والأدوية الاوتيسية التي تعطى بوصفة طبية فهناك خيارات واسعة منوها بأن شركة ( التراميديكا ) تؤمن معظم الأدوية للسوق المحلية كما أن الصناعة الدوائية تتطلب خبرات البحث العلمي والتجارب.
النهوض بالمهنة ومنافسة الآخر
وفي لقاء آخر مع المشاركين في المؤتمر العلمي الصيدلاني العربي في جامعة دمشق تقول هبة علوان نحن فريق كبير من الخريجين حددنا مجموعة من الأشكال الصيدلانية المتوفرة لدينا والأجهزة الموجودة بإشراف الدكتورة جميلة حسيان عميدة كلية الصيدلة ورئيسة قسم الصناعات الدوائية “شرابات ومضغوطات باراسيتامول، شامبو للشعر ،غراغر مطهرة للفم ،الكراميتا ،مستحضرات تجميلية ” ونحن كطلاب جامعة دمشق”كلية الصيدلة “هدفنا النهوض بالمهنة والمنافسة نحو الأفضل سيما ولا ان صناعاتنا الدوائية ممتازة ولها حضورها في السوق المحلية والخارجية وأن طموحنا ليس المنافسة فقط وإنما التفوق في بعض الاصناف الدوائية وحول تأمين بعض المواد الأولية ذكرت علوان أنه يتم تأمينها عن طريق الجامعة حيث تهيئ لنا جميع الظروف المناسبة لتحضير أصناف دوائية مختلفة بجودة عالية وفعالية كبيرة.
أخيرا يمكن القول أن وباء كورونا الذي اجتاح العالم دون استئذان كشف وبشكل واضح الوجه المقيت لمدعي الحضارة والإنسانية لدول وحكومات غربية استعمارية تعرت أمام شعوبها ومنظوماتها الصحية قبل غيرها ،حيث ضاقت بها السبل وهي تتبجح بالسباق نحو التسلح والهيمنة وغزو البلدان الوطنية الآمنة بأدوات الإرهاب والإجرام،غير آبهة بقراراتها المجرمة الظالمة بحق الشعوب والدول المقاومة والمناضلة بفرض كل ألوان الحصار عليها لسنوات عديدة ما يفسد انسانيتها المزورة أصلا .