الثورة – مرشد ملوك:
في خطوة تحمل دلالات استراتيجية واقتصادية عميقة، أعلن وزير الطاقة المهندس محمد البشير عن مناقشة إعادة إحياء مشروع خط أنابيب النفط الرابط بين كركوك العراقية، وميناء بانياس السوري على ساحل المتوسط.
جاء هذا الإعلان خلال حديث مع قناة الإخبارية قدمه الوزير البشير مؤخراً، وتأتي خطوة إعادة تأهيل الخط القديم أو إنشاء خط جديد، لتعزيز التعاون الثنائي ويؤمن منفذاً بديلاً لصادرات النفط العراقية، ويدعم جهود إعادة الإعمار في سوريا. ويُعد هذا المشروع من أقدم خطوط تصدير النفط في المنطقة، إذ أنشئ في خمسينيات القرن الماضي، وتوقف عن العمل منذ عام 2003. إعادة تشغيله اليوم تمثل رافعة للتكامل الاقتصادي الإقليمي، وتفتح آفاقاً جديدة في مجالات الطاقة والنقل.
يشير الدكتور المهندس البحري سلمان ريا في حديثه لصحيفة الثورة، إلى أن الخطط الأخيرة المتعلقة بدراسة جدوى إعادة تأهيل خط النفط كركوك- بانياس تعكس توجهاً استراتيجياً يعيد لسوريا دورها الحيوي في منظومة الطاقة الإقليمية، فالمشروع لا يقتصر على البعد الاقتصادي فحسب، بل يتداخل مع معطيات سياسية وجيوستراتيجية تعكس واقع العلاقات الإقليمية المتغيرة.
خلفية تاريخية
ويضيف: إن هذا الخط، الذي أُنشئ في خمسينيات القرن الماضي، كان شرياناً رئيسياً لتصدير النفط العراقي عبر الأراضي السورية إلى البحر المتوسط. بطول يقارب 900 كيلومتر، وقدرة نقل تصل إلى 300 ألف برميل يومياً، شكّل الخط نقطة استراتيجية لكل من العراق وسوريا، إلا أن التوترات الإقليمية، ولاسيما الحرب العراقية- الإيرانية، أدت إلى توقفه عام 1982، لتتوالى بعدها محاولات إعادة تشغيله من دون جدوى بسبب الظروف السياسية المعقدة التي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
أهمية اقتصادية وسياسية
ويؤكد الدكتور ريا أن إعادة تأهيل هذا الخط تمثل فرصة لتقليل الاعتماد العراقي على خط كركوك-جيهان التركي، مما يعزز أمن الطاقة الإقليمي، أما بالنسبة لسوريا، فإن المشروع يمنحها منفذاً بحرياً حيوياً، ويتيح لها الاستفادة من رسوم العبور، وجذب الاستثمارات، وخلق فرص عمل جديدة، وهو ما يشكل دفعة قوية للاقتصاد السوري الذي أنهكته سنوات الحرب والعقوبات، كما أن المشروع يعزز التعاون السياسي بين بغداد ودمشق، ويفتح آفاقاً جديدة للتنسيق في مجالات الأمن والتجارة ومكافحة الإرهاب.
ويشير إلى أن المشروع لا يخلو من تحديات جسيمة، أبرزها الحاجة إلى استثمارات ضخمة تتراوح بين أربعة إلى ثمانية مليارات دولار، وهو مبلغ يصعب تأمينه في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، كما أن البنية التحتية السورية المتضررة تتطلب تقنيات متقدمة وخبرات عالية لإعادة التأهيل.
ويضيف: إن بعض الخبراء يشككون في الجدوى الاقتصادية للمشروع، خاصة إذا لم تترافق مع زيادة كبيرة في إنتاج حقول كركوك. إلى جانب ذلك، تشكل العقوبات الدولية، وعلى رأسها قانون قيصر، عقبة كبيرة أمام تنفيذ المشروع.
الفوائد الاستراتيجية
وعلى الرغم من هذه التحديات، يرى الدكتور المهندس البحري سلمان ريا أن المشروع يحمل فوائد استراتيجية لسوريا، إذ يمكن أن يوفر إيرادات إضافية من رسوم العبور، ويخلق فرصاً للاستثمار في قطاع الطاقة والبنية التحتية، مما يساهم في دفع عجلة التنمية. كما يعزز من مكانة سوريا الإقليمية، ويمنحها دوراً محورياً في قطاع نقل الطاقة، ما يتيح لها مساحة أوسع في المفاوضات السياسية والدبلوماسية. ومن شأنه أيضاً أن يسهم في تحسين الأوضاع الداخلية عبر خلق فرص عمل واستقرار اقتصادي نسبي.
ويختتم الدكتور سلمان ريا بالإشارة إلى أن مستقبل المشروع مرتبط بجملة من العوامل، منها مدى الاستقرار السياسي في سوريا، واستمرار التعاون الوثيق مع العراق، والقدرة على تجاوز العقوبات الدولية. فبين من يرى فيه حلماً استراتيجياً بعيد المنال، ومن يعتبره خطوة أساسية نحو إعادة بناء سوريا وتعزيز تحالفاتها، تبقى المعادلة معقدة لكنها مليئة بالفرص التي تحتاج إلى إرادة سياسية ورؤية واضحة.
خلاصة وتوصيات
في المحصلة، يؤكد الدكتور ريا أن إعادة تأهيل خط كركوك- بانياس يحمل إمكانات كبيرة لتعزيز الاقتصاد السوري ودوره الإقليمي في قطاع الطاقة، لكنه يتطلب جهوداً متكاملة ومراعاة دقيقة للتحديات الفنية والسياسية والاقتصادية، نجاح المشروع قد يكون مؤشراً على تحولات إيجابية في المشهد الإقليمي، ومقدمة لبناء تعاون أوسع يساهم في استقرار المنطقة.