الثورة- عبد الحليم سعود:
تواتر في وسائل الإعلام بالفترة الأخيرة استخدام مكثف لمصطلح “معبر داوود”، على خلفية الأحداث التي شهدتها محافظة السويداء، على يد المجموعات الخارجة على القانون بقيادة حكمت الهجري الذي لم يخفِ علاقته وارتباطه المباشر بالكيان الإسرائيلي، وقد تجلى ذلك بطلبه المساندة المباشرة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي التي وجدت ضالتها في هذه الأحداث، لتحقيق بعض أحلامها التوسعية في سوريا والمنطقة عموماً.
وقد راود وما زال يراود “الحلم التوراتي” الذي يدعو لإقامة ما يسمى “إسرائيل الكبرى” أو “دولة بني إسرائيل من الفرات إلى النيل”، العديد من قادة الصهيونية العالمية، دون أن يكون له ما يؤيده في التاريخ أو علم الآثار.
وقد كشفت خرائط مسربة من دوائر صنع القرار الإسرائيلي ونشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، أن الممر المذكور عبارة عن شريط جغرافي ضيق يبدأ من مرتفعات الجولان السوري المحتل، مروراً بالمحافظات السورية الجنوبية المحاذية للحدود الأردنية، (القنيطرة ودرعا والسويداء)، ثم يمتد شرقاً نحو البادية السورية باتجاه معبر التنف الاستراتيجي مع العراق وصولاً إلى الجزيرة السورية التي تسيطر عليها ميليشيا قسد التي لا تخفي تطلعاتها وطموحاتها الانفصالية عن الوطن الأم سوريا، ولا تنكر علاقتها بكيان الاحتلال الذي يبرهن يوماً بعد آخر، وقوفه المباشر خلف أوهام الانفصال التي تراود كل من ميليشيات الهجري وقسد.
لا يختلف اثنان في رغبة الاحتلال في التمدد داخل الجغرافيا السورية سعياً وراء تحقيق أحلامه التوراتية المزعومة، بالإضافة إلى تحقيق أهداف استراتيجية مرتبطة برسم خريطة الشرق الأوسط التي تتطلب تفتيت المنطقة وإقامة كانتونات طائفية وعرقية مرتبطة بها، وتساعدها في الوقت نفسه على إضعاف السلطات المركزية في دول المنطقة، ولا سيما سوريا التي تشكل العائق الأكبر أمام إقامة “إسرائيل الكبرى”، ومن ثم التمدد والسيطرة عبر التحكم بالجغرافيا، ليكون “ممر داوود”، حلقة من حلقات المشروع الصهيوني الكبير في منطقتنا.
ويرى بعض المراقبين أن هناك العديد من المؤشرات والمعطيات على الأرض تؤكد أن الكيان الصهيوني قد شرع في تنفيذ الممر المذكور، على أمل أن تساعده الأحداث الأخيرة في السويداء على التسلل ولو من الباب الإنساني المزعوم لتحقيق بعض أوهامه التوراتية المزعومة.
فالاحتلال الإسرائيلي يسيطر على أجزاء واسعة من مدينة القنيطرة، ويعمل حالياً مع ميليشيات الهجري على إنشاء كيان موالٍ له في السويداء، وقد كشف الهجري مؤخراً عن رغبته بإنشاء “ممر إنساني” باتجاه مواقع سيطرة قسد، في حين ليس هناك أي مانع لدى قيادات “قسد” من المساهمة بتنفيذ هذا الممر وتحقيق الحلم الصهيوني على حساب طموحات وآمال وأحلام السوريين ببناء دولتهم الموحدة المستقلة.
يقول الكاتب الفلسطيني أحمد الحيلة في دراسة له نشرها موقع الجزيرة نت، إن إسرائيل تشكو من عقدة الديموغرافيا قليلة العدد، وانحسار الجغرافيا لمحدودية مساحة فلسطين المحتلة، ما يجعلها على الدوام تتحدث عن تهديدات مصيرية لوجودها ومستقبلها لشعورها العميق بالاغتراب والغربة عن المنطقة وشعوبها، وانعدام يقينها بالاستمرار والبقاء، وهو ما يفسر اعتمادها بشكل دائم على الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية في التسلح والدعم السياسي والعسكري والاقتصادي.
لكن “الأحلام” الصهيونية شيء، والواقع شيء آخر، فالميليشيات الانفصالية حالة طارئة ومؤقتة على الواقع والمجتمع السوري، وهي لا تمثل السوريين ولا تعبر عن أصالتهم وانتمائهم الحقيقي، وسيأتي اليوم الذي يلفظها فيه النسيج السوري المتماسك ويعريها.
وإذا كان الاحتلال الإسرائيلي يستخدم حالياً الميليشيات الانفصالية، لتحقيق بعض مآربه الخبيثة، فلن يتأخر كثيراً حتى يجدها وقد خرجت من المشهد، بسبب وجود الكثير من الشرفاء المنتمين لهذه الأرض، سواء في جبل العرب الأشم أو في الجزيرة السورية، والذين لا يقبلون أن يكونوا مطية للمحتل أو أداة لتحقيق أحلامه وطموحاته التوسعية.
كما أن ما يسمى “ممر داوود” كمشروع استعماري، يشكل تحدياً لكل من سوريا والعراق وتركيا ولبنان وإيران وللمنطقة عموماً، لأن الأمر مرتبط بإنشاء ما يسمى “إسرائيل الكبرى” وتفتيت وإضعاف دول المنطقة، وهو ما يستدعي النظر إليه باهتمام من قبل الدول المذكورة، والعمل بجدية وبشكل جماعي، في كيفية مواجهته والتنسيق فيما بينها من أجل إفشاله.
“ممر داوود”.. سيفشل ولن يمر حتى ولو بقي أبناء سوريا وحدهم في مواجهته.