الملحق الثقافي:محمد خالد الخضر:
ذهبت قراءة الباحث كلاس في اتجاهات مختلفة إلى حياة الشاعر نزار قباني، بما تضمنه من متناقضات وتحولات وتداعيات طرأت على شعره خلال حياته التي تنوع فيها الفعل الشعري، وفق ما عاشه الشاعر نظراً لموهبته التي كانت هي السبب.
لقد اهتم الباحث غسان كلاس في الحالة الإبداعية الحقيقية التي اعتمد عليها الشاعر نزار قباني في كتاباته النثرية والشعرية وفي فلسفته الحياتية ومواقفه وآرائه، مما عارضه وتعرض إليه، فاستحضر في مستهل البحث أبيات يقول فيها قباني:
إذا قيل عني أحس كفاني
ولا أطلب الشاعر الجيدا
شعرت بشيء فكونت شيئاً
بعفوية دون أن أقصدا
فيا قارئي .. يا رفيق الطريق
أنا الشفتان وأنا الصدى
ما استحضره الباحث متقصداً أن يقدم الحالة البنيوية بدايةً في النص الشعري، إضافة إلى المعنى والموسيقى وما يعكسه من تجارب وما يريد أن يقوله، وهذا ما يتمم معناه في استحضاره لبيت آخر يقول فيه:
إن القصيدة ليس ما كتبت يدي
لكنها ما تكتب الأهداب
وفي واقع الأمر لا يعتمد الباحث على رأيه فقط، بل اطلع على معظم ما كتب عن الشاعر من بحوث ودراسات وآراء نقدية مثل الأدب العربي المعاصر لسامي الكيالي، ورحلة شوق مع نزار قباني لعلي المصري، وما كتبه محمد رضوان وصلاح فضل وياسر زمزم ومحمد عزام وغير هؤلاء من كتاب ونقاد وباحثين، إضافة إلى اطلاعه من شعر ليصل إلى أن الإحساس هو أهم ما يعتمد عليه الشاعر، لهذا كانت دمشق ومئذنة الشحم والياسمين وسطح المنزل الأشياء التي عاشها نزار كلها حاضرة في نصوصه.
ومن يتابع مع غسان كلاس، يجد أن نزار قباني خلال تحديه للواقع يمرر تحولاته الحياتية وكيف عاش وأين ولد وماذا يعني له أهله وأبويه وأولاده وإخوته، إضافة إلى تصوير المزاجية والمراهقة والتصادمية مع الواقع وأشياء الطبيعة بكل ما تحمله من جمال في البنى التركيبية للنصوص الشعرية التي كتبها.
لم يغير نزار قباني أي معتقد من معتقدات أهله، ولم يعترض على التراث كانتماء، فكتب الشعر الموزون الذي يتكون من شطرين دون أن يجد صعوبة في ما قدمه من تعامل من الروي والقافية والالتزام التركيبي في التسلسل المنطقي الموضوعي للنص الشعري، وكتب أيضاً التفعيلة التي لا تتخلى عن التراث ولا تتخلى عن الضمير، كما كتب النثر، ولم يكن النثر أقل مستوى مما كتب من الشعر.
نزار قباني كما جاء وها واقع في كتاب الباحث غسان كلاس، ظل بيته وأبوه وأمه وأسرته معه في نبضات قلبه وفي شهقاته، فأورد الباحث قصيدة بعنوان «هذا مكان أبي المعتز منتظر»:
يا أبي.. يا أبي اجتمعنا حواليك
تطلع تجد بنا أصداءك
لم تسعك الدنيا فكيف لقبر
أن يواري تحت الثرى كبرياءك
ويريد الباحث أن يشير إلى أن نزار قباني أحب دمشق كثيراً وتعلق بها أكثر في كل تسلسل متحول أتى به، فكتب قصيدته من مفكرة عاشق دمشقي، ثم كان الشاعر يربط الانتماء القومي بنفسيته الشعرية كما جاء في قصيدة بعنوان «هواك يا بردى كالسيف يسكنني» وقصيدة «موال دمشقي» وقصيدة «والفل يبدأ من دمشق بياضه».
البحث المنهجي ختمه كلاس بالنص النثري الذي كتبه قباني بعنوان «دمشق تهديني شارعاً» ليكمل ما ذهب إليه عبر حياة شاعر بدأ حراً ومات أبياً.
التاريخ: الثلاثاء28-4-2020
رقم العدد : 996