ثورة أون لاين- علي الأحمد:
هل أضاع الموسيقي العربي اليوم. البوصلة وضل الطريق؟ وهل قادته العولمة وثقافتها الرديئة، الى المسار الصحيح، وماذا عن طريق الماضي الذي هجره طواعية، في سبيل بعض المكتسبات العابرة ، والانخراط في النادي المعولم، حيث التخفف من أسر التراث والموروث والقطيعة المعرفية والوجدانية مع هذا الماضي ، من أجل تحقيق حلم ووهم العالمية، التي كبلته وسجنته في مقولات وتقاليد الآخر المغاير من دون تحقيق ولو جزء يسير من هذا الحلم، الذي يبقى حلما عابرا غير قابل للتحقق، لأنه يسعى في النهاية لإرضاء هذا الآخر وذائقته المختلفة كلياً.
-نعم نؤكد هنا، على أن هذا الموسيقي، قد ضل طريقه فعلاً، وسار في تيه ممتد لا أفق له، نحو التمسك بوهم العالمية المزعومة، وهي على كل حال، مقولة أثبتت فشلها وعقمها. عبر خبرة وتجارب الشعوب، التي تقول، إن الوصول الى العالمية المنشودة، ممكن. شريطة أن يكون مسارها ومسيرها من الداخل، من عناصر الابداع في الهوية الوطنية، نحو توقها العالمي، في المشاركة بالقواسم الابداعية التي تنتج حالات ابداعية أسمى، تكون عناصرها مستقاة من إرث وتراث وموروث هذه الهوية، بلغة ورؤية معاصرة، لاتطمس هذه العناصر ولاتذهب بعيدا في التجريب الذي قد يؤدي الى التغريب والتقليد واستنساخ الآخر على علاته كائناً ماكان. وهذا ما يقع به الموسيقي العربي اليوم بشكل فيه الكثير من الدونية والتصاغر في حضرة الغريب، بشكل فيه الكثير من الإجحاف بحق هويته وتاريخه وموروثه الابداعي، كما بطبيعة الحال بمكانه ومكانته في هذا المشهد العجائبي، الذي بات يكرس صناعة خلبية للنجوم العابرين، وصناعة الإقبال عليها بإعتبارها معياراً ومقياساً للتمدن ومواكبة العصر، حتى وإن كان ذلك على حساب القيم الجمالية والقيمة الابداعية المتوخاة من هذا الفن وكل فن. بالطبع التعميم هنا لايلغي الإستثناء، الذي هو موجود بالتأكيد، من حسن الحظ، فهناك فرسان حقيقيون من جيل الشباب بدأوا يأخذون زمام المبادرة، لكتابة موسيقى عربية بديلة للسائد المعمم، بعد أن وصلت تيارات الاستهلاك الى نهايتها المحتومة، فماذا بعد كل هذا الانحطاط الأخلاقي والتربوي، وكل هذا الخراب والبؤس الممتد على خارطة هذا الفن، إلا الثورة على هؤلاء الفاسدون المفسدون، ومن خلفهم المال الأسود، الذي أتى بكل هؤلاء المهرجون والدجالون والأدعياء، الى قلب هذا الفن النبيل، مستفيدين من كل الظروف التي تهيأت لهم. في قلب المعادلة والتحكم بمسار الانتاج والإعلام نحو مزيد من التقليد وترسيخ مقولات الفن للفن ، بما تتيحه من نشر وانتشار متاحف القبح التي باتت تعم العالم، بإسم الفن والمعاصرة ومابعد الحداثة والعولمة ومابعدها الى أن نصل في نهاية الأمر الى اللامعقول السريالي إن صح القول هنا. ويبقى السؤال مطروحاً هنا :هل يمكن تدارك الأمر ووقف النزيف الحاصل، ام أنه فات الأوان وبات من الصعوبة أن تعود الأمور الى سابق عهدها، نعم يمكن تدارك ذلك، عبر تكاتف الجميع ووجود الإرادة في ذلك ضروري لتحقيق ولو بعض التوازن مع هذه التيارات الاستهلاكية، صحيح أن أصحاب المال الفاسد يتربصون بأية خطوة قد تطردهم وتكنسهم من المشهد، إلا أن هذا المال ليس قدرا لامفر هنا، فهناك بعض المال النظيف الذي يؤمن ويتبنى المشاريع الثقافية التنويرية. بات يمنح الموسيقي العربي بعض الأمل في مواصله مشروعه المؤجل، لأسباب معلومة، كما أن بعض المنصات الإعلامية على قلتها، باتت هي أيضا تقدم نوافذ وشرفات مهمة، لنتاج هذا الموسيقي او ذاك، وهو مايمنحه بعض الحرية والتحرر من عسف وشروط الشركات الانتاجية الضخمة التي تفرض نوعيتها الرديئة على الجميع كونها تتوخى المنفعة والربح المادي ولو على حساب القيم والقيمة الابداعية. نعم الطريق طويل وشاق يتطلب جهدا استثنائيا من الجميع. بما في ذلك المتلقي العربي، وهذا كفيل إن تحققت بعض هذه الشروط، في عودة هذا الموسيقي الى وطنه الموسيقي الذي هجره وبالتالي، يساهم في كتابة بديلة للسائد المطروح، موسيقى عربية لطالما ينتظرها ويترقبها هذا المتلقي المنهك من النتاجات التجارية الرديئة التي تغزو المشهد المعاصر كوباء الطاعون الأسود. ومن دون هذا المسار، ستبقى موسيقانا المعاصرة، تصارع هذا الطوفان المرعب، الذي يجتاح الجميع، بإسم التحضر والتمدن ومواكبة العصر المعولم، الذي ينتج كل هذا الخراب الفني، وثقافته الوضيعة الرديئة التي تجعل الإنسان عبداً وأسيراً لهذه الشاشات المسطحة، التي تقدم على مدار الساعة الفن المعلب المغلف بألوان براقة مخادعة وإكسسوارات مزيفة،حيث لامكانة أو مكان للفن الأصيل ودوره الرسالي العظيم. ليس لأن الجمهور عاوز كده كما يدعي هؤلاء التجار من أصحاب الضمائر الفاسدة . بل لأن هذا المال الفاسد المفُسد هو الذي يفرض لحنه التجاري الرخيص، ولاعزاء للفن الأصيل النبيل.الذي عليه انتظار المعجزة وتحقيق هذه الخطوات في مسار ومسير الابداع المعاصر المنشود في كل الأزمنة. علْ الحياة والعطاء يعود لهذا الفن المضيّع ونشهد نهضة موسيقية عربية حفيقية يقودها هؤلاء الفرسان الشباب، الذين هم أملنا الأخير وسط كل هذا العتم الموسيقي الممتد.