إفتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
انطلاقاً من الأسابيع الأخيرة لعام 2017، ثم الأيام الأخيرة من 2018، وصولاً إلى آذار 2019، كان العالم شاهداً على افتتاح دونالد ترامب مَحطات جديدة للدجل والكذب، وليثبت حالة من النفاق والتناقضات يتفوق فيها على أسلافه، تحديداً أوباما الذي كان لإدارته – حسب الوثائق، اعترافات هيلاري كلينتون، اتهامات ترامب وحزمة الأدلة التي بيده – براءة اختراع “داعش” وإطلاقه، وهو الأمر الذي تستمر فيه واشنطن حتى الآن، ولا تُقصر إدارة ترامب برعاية الدواعش رغم إعلانها الكاذب – بالمَحطات أعلاه – هزيمة التنظيم الإرهابي في العراق وسورية!.
يَدّعي ترامب الانتصار على داعش، يُقرر سحبَ قواته المُحتلة من سورية، ويُقلصها في العراق، قبل أن يَتراجع عن ذلك وعن سلسلة من القرارات الأخرى المُتصلة بالحالة التي تطورت باتجاهات مختلفة تماماً، إذ بدأت عملية إعادة انتشار للقوات الأميركية الغازية، تَفكيكُ قاعدة هنا مُقابل إقامة أخرى، مع استمرار العمل على نهب وسرقة الثروات النفطية، ومُواصلة النفخ بأدواتها الميليشياوية الانفصالية، على التوازي مع تَوفير الحماية للدواعش وتَحريكهم على طرفي الحدود السورية العراقية، مرّة باتجاه السخنة وأخرى باتجاه الأنبار!.
لا نَأتي بجديد عندما نُؤكد أن الدواعش ومُشتقاتهم هم صنيعة أميركا، ولا نَسعى لتأكيد المُؤكد عندما نقول إن الإرهاب اختصاص أميركي خالص، لكن لا بُد من تَعرية واشنطن وسياساتها، ولا بد من مساعدة العالم ليُدرك حقيقة الأخبار المُتداولة حول الدواعش وحركتهم، ذلك أنّ أول ما ينبغي فهمه بهذا السياق هو أنّ هؤلاء الدواعش ليسوا مُجرد حُثالات تكفيرية ومُرتزقة، وإنما هم مجموعات مُنظمة على شكل ميليشيا تتحرك بأوامر مباشرة من مُشغليها، تحظى بدعم الغرب الفاجر، وتُدار فعلياً وحصرياً من قبل واشنطن.
الخطيرُ في لعبة الاستثمار الأميركي بالدواعش بين فترة وأخرى بطرائق مُختلفة لا جديد فيها سوى التكرار والاجترار، لا يَكمن فقط بعدم وقوف العالم بمُواجهة واشنطن بعد تَكشف الحقائق التي تَفضحها وتُعريها، ولا بحجم الأكاذيب التي لا تنجح بتوظيفها بل تُسهم بتفجير فضائح جديدة لها. الخطيرُ إنما هو بإعادة التحميل على الدواعش لتحقيق أهداف سياسية أميركية قذرة لم تتحقق طوال سنوات الحرب والعدوان.
إذا كان هناك من مُشكك يُعبر عن الريبة بما يُقال، لا يُجرم الولايات المتحدة ولا يميل لاتهام إدارة ترامب، فيكفي بهذه الحالة أن يُدقق، قبل يُجيب على التساؤل المَطروح حول تنظيم إرهابي.. أميركياً أُعلنت هزيمته عدة مرات، فإذا به لا يعود فقط، بل يعود قوياً ويَنتقل سريعاً إلى وضعية الهجوم، معارك السخنة التي حسمها جيشنا الباسل بالأمس القريب أُنموذجاً، والمعاركُ المتواصلة الجارية حالياً في العراق، المثال الآخر!.
لو لم يَكن الدواعش الجيش الأميركي البديل، فمن أين لهم الاستمرار كتنظيم؟ ومن أين لهذا التنظيم الإرهابي أن يُهاجم من بعد اندحار؟ ومن أين له هذا السلاح الجديد المُتطور الذي يظهر في الميدان؟.
الدواعش جُزء أساسي من الاستراتيجية الأميركية، والذراعُ الرئيسة لإدارتي أوباما وترامب، وإلا فهل من المُصادفة أن يَنحصر وجودهم اليوم فقط بالمناطق التي تَحتلها أميركا؟ وهل من المُصادفة أن تكون القواعد الاحتلالية الأميركية هي المركز والمُنطلق لكل هجماتهم؟.
الانتقال إلى وضعية الهجوم، ليست حالة داعشية بمقدار ما هي حالة أميركية، هي حركة فيها من الحماقة مَقادير كبيرة، ستَكتشفها واشنطن لاحقاً، لكن ليس قبل أن تجدَ خياراتها مُغلقة على الانكفاء، الرحيل، كخيار قسري لا بديل له.