ثورة أون لاين- فؤاد مسعد:
للتفاصيل في العمل الفني مفعول السحر والقدرة على بث الروح فيه وإعطائه صفة الحياة، وبقدر توظيفها بالطريقة الصحيح بقدر ما يخرج العمل الفني ناضجاً مُقنعاً وقريباً من الناس، ولدى إسقاط ذلك على الأعمال الدرامية التلفزيونية نجد أن هناك من التقط هذه الجزئية وعمل انطلاقاً منها، فكثيرون هم المخرجون الذين حرصوا إلى حد بعيد على استكمال كل التفاصيل في أعمالهم ورأوا فيها أهمية توازي دور البطولة، ولكن بالمقابل هناك من استهتر بها ووجدها ترف لا طائل منه وعبئاً إنتاجياً، والطامة أن هناك من لم يدرك أهميتها أصلاً، في حين حاول آخرون الانطواء تحت جناحها ولكن واجهتهم صعوبات فلجأوا للعمل ضمن المُتاح.
ومهما حمل العمل من أفكار هامة وسعى المخرج إلى تصويره بحرفية عالية فإن أخطاء بسيطة في التفاصيل لا يأخذها البعض على محمل الجد قد تمتلك القدرة على الإطاحة بنجاح العمل وتأخذه إلى مكان آخر تماماً، لا بل إن آلية التعاطي مع هذه التفاصيل قد يكون الكفة التي تميل نحو إخراج المسلسل من السباق في الشهر الفضيل أو جعله الأقرب إلى الجمهور والأكثر دفئاً وتأثيراً بالنسبة إليهم.
وللحديث بلغة الأمثلة الحية يمكن التقاط بعضاَ من تلك التفاصيل، ومنها اللهجة ولفظ الكلمات، فعلى سبيل المثال كيف يمكن اقناع المشاركين في عمل تدور أحداثه ضمن إطار البيئة الشامية أوائل أربعينيات القرن الماضي أن هناك خطأ فادحاً في طريقة لفظ كلمة فرنسية (سيد ــ Monsieur) التي دأبت الشخصيات الفرنسية في المسلسل على تكرارها بشكل مستمر ومستفز، والإصرار على التعامل بها رغم أن حوارات تلك الشخصيات في المسلسل لا تُقال باللغة الفرنسية، وإنما تم انتقاء هذه المفردة فقط لإقناعنا أنهم ضباط وجنود فرنسيون !!.. والسؤال هل من المعقول أنه أثناء التصوير لم يكن هناك أي شخص يمكنه تصحيح لفظ ممثل لكلمة فرنسية ؟.. ويمكن أن نسوق الأمر نفسه لدى تناول محاولة البعض الاستهتار بخصوصية الحديث بلهجة مختلفة عن السائد دون ضوابط أو معرفة وإدراك بآلية لفظ الكلمات والعبارات ونغمتها أثناء اللفظ ضمن إطار هذه اللهجة أو تلك
وعلى صعيد آخر يبدو أن حضور السيليكون والنفخ والتاتو بات أمراً واقعاً إلى درجة أعلن فيها العديد من المخرجين استسلامهم لوجوده ضمن أعمالهم الدرامية من باب (لا حول ولا قوة ..)، وإن غضينا الطرف عن الأعمال المعاصرة فالسؤال ماذا عن التاريخي والبيئة الشامية، كيف يمكن أن تقنعنا ممثلة أنها واحدة من ذلك الزمن وتبدو على وجهها علامات التغيير والشد والتاتو ؟. والمصيبة أنه حتى فكرة إظهار الانفعالات على الوجه تم تجاوزها في هذه الحالة، وما زاد الطين بلة اختيار شعر مستعار في بعض الأعمال يقلع عين الأعمى ويكاد يقول (أنا شعر مستعار)، والمصيبة الأكبر أن الشوارب أيضاً أتت على وجوه نجوم وكأنها (قص لصق) غير مقنعة وشكّلت حاجزاً يقف بين المشاهد واقتناعه بالشخصية التي يتابعها ضمن العمل، وإضافة إلى ذلك كله ورغم تكرار الملاحظة من موسم درامي إلى أخر إلا أن هناك ممثلات لم يستطع أحد حتى اليوم اقناعهن فظاظة أن تستيقظ الشخصية في الصباح وهي بكامل مكياجها وتضع الرموش الاصطناعية حفاظاً على جمالها وأناقتها.
ربما هي تفاصيل يجدها البعض بسيطة وغير مؤثرة ولكنها في حقيقة الأمر هي ملح العمل ، ولها دور كبير تحقيق المصداقية وعميلة الإقناع، حتى أن هناك أعمالاً قد يلعب فيها المكياج دور بطولة، وكذلك الاكسسوارات والديكور والملابس .. وبالتالي تلك التفاصيل هي التي تحيك اللوحة كاملة ومن الأهمية بمكان أخذها بعين الاعتبار، وأذكر هنا أن مخرجاً قام في أحد المرات بإيقاف التصوير وتأجيله إلى اليوم التالي في أحد الأعمال الشامية التي تدور أحداثها ضمن فترة زمنية معينة لأنه احتاج قطعة اكسسوار تناسب بيئة وزمن الأحداث ولم يتم تأمينها ورفض استبدالها بأخرى، فأجّل التصوير حتى يتم توفيرها لإدراكه أهميتها في تحقيق المصداقية ومنح الروح للمشهد.