لا تنفك إدارة ترامب تبحث عن “شماعة أو كبش فداء” تحمله مسؤولية هزيمتها السياسية والأخلاقية في مواجهة فيروس كورونا، وتختلق الكثير من الذرائع والحجج الواهية لتوظيف تداعيات فشلها بخلق المزيد من الأزمات والتوترات على الصعيد الدولي، وهذه الإدارة لا تمتلك الجرأة السياسية الكافية للاعتراف بأخطائها القاتلة، تجنبا لتحمل المسؤولية وما يترتب عليها من محاسبة أخلاقية على أقل تقدير، لا سيما أن غالبية الشعب الأميركي باتت توجه اللوم لترامب بسبب سوء إدارته للأزمة، الأمر الذي قد يكلفه حياته السياسية.
نجاح الصين وروسيا في التصدي للفيروس التاجي، وتبوؤهما مركز الصدارة في مساعدة الدول المتضررة، وضع الولايات المتحدة في مأزق حرج، حيث إنها من المفترض أن تكون السباقة على هذا الصعيد، باعتبارها قوة عظمى تمتلك كل المقومات الاقتصادية والطبية اللازمة للقيام بهذا الدور، ولكن جنوحها نحو الاستثمار السياسي للوباء جردها من كل القيم السياسية والأخلاقية، فباتت منبوذة أكثر من ذي قبل، خاصة من قبل الشعوب المحاصرة بالإجراءات الاقتصادية القسرية التي تفرضها لاعتبارات سياسية.
الأجندات العدائية واضحة في كل تفاصيل التعاطي الأميركي مع الجائحة العالمية، وعدا عن التصعيد العدواني ضد سورية والعراق وفلسطين واليمن وإيران وفنزويلا وغيرها من الدول تحت ستار انتشار كورونا، فإن الصين وروسيا على رأس قائمة الاستهداف وفق الاستراتيجية الأميركية الجديدة والتي تعتبر هاتين الدولتين بأنهما تمثلان تهديدا حقيقيا للأمن القومي الأميركي، وتوزيع الاتهامات العشوائية بحقهما فيما يخص الفيروس التاجي تصب في خانة الاستفزاز المتعمد لشيطنة هذين البلدين، وربما يقود إلى مواجهة تصادمية لا تحمد عقباها على مسار الأمن والاستقرار الدوليين.
ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو يدفعان الأمور نحو التصعيد مع الصين، ولكن وزير حربه مارك اسبر أضاف روسيا لقائمة الاتهامات، وزعم بأنها تستغل إلى جانب الصين تفشي الوباء لتعزيز مصالحهما في أوروبا، وخلق انقسامات في حلف “الناتو” وداخل دول القارة العجوز، وهذا الكلام ينطوي على مخاوف حقيقية بدأت تنتاب إدارة ترامب من أن تخرج أوروبا من تحت مظلة التبعية الأميركية، لاسيما في ظل الاندفاع الصيني والروسي لمساعدة الأوروبيين بمواجهة كورونا، مقابل الإحجام الأميركي، وأعمال القرصنة التي مارستها الولايات المتحدة فيما سمي بحرب الكمامات.
ونظرا لما تضمنته استراتيجية الأمن القومي الأميركي أيضا بأن الولايات المتحدة تدخل “عصرا جديدا من التنافس”، تتحداها فيه روسيا والصين، فإن واشنطن ربما تخوض حربا عسكرية ضد الدولتين للحفاظ على زعامتها العالمية، وكورونا قد يكون الذريعة.
البقعة الساخنة- بقلم أمين التحرير ناصر منذر