كرة التصعيد تتدحرج، الإرهاب الأميركي تتعدد أشكاله وفصوله، أدوات العدوان تنفّذ أدوارها الوظيفية وفق تعليمات مشغليها، والمنطقة أمام استحضار عناوين جديدة تعدّ لها واشنطن لتوسيع دائرة نفوذها لمداراة الهزائم التي تتعرّض لها مخططاتها ومشاريعها التقسيمية.
النظام التركي يجسّد حالة التصعيد الإرهابي التي تريدها إدارة ترامب جسراً للتعتيم على تحركاتها المتسارعة لتثبيت وجودها الاحتلالي، بما يؤمّن لها ضمان أمن الكيان الصهيوني من جهة، والاستمرار بنهب ثروات السوريين من جهة ثانية، ومواصلة تهديد دول المنطقة ومحاولة قطع خطوط التواصل بين دول محور المقاومة من جهة ثالثة، والمجرم أردوغان يمارس دوره الوظيفي كمتزعّم للتنظيمات الإرهابية في القيام بترجمة ما يدور في مخيّلة المعتوه ترامب، والهجمات الإرهابية التي يشنّها إرهابيو “النصرة” ومن ينضوي تحت رايتهم التكفيرية على محور سهل الغاب تصبّ في إطار الجنوح الأميركي نحو إعادة تسخين جبهات العدوان ضد الجيش العربي السوري لإعادة خلط الأوراق، فإرهابيو أردوغان انطلقوا في عدوانهم من نقاط يشرف عليها جيش الاحتلال التركي، ومنها الطريق الدولي حلب – اللاذقية، ما يعني خرقاً جديداً للاتفاقات والتفاهمات مع الجانب الروسي، ولاتفاق موسكو الأخير على وجه التحديد، في إشارة واضحة لتملّص أردوغان من الاتفاق نزولاً عند الرغبة الأميركية.
الهجوم الإرهابي على محور سهل الغاب يضيف دليلاً جديداً على أن النظام التركي استغلّ فترة انشغال العالم بإجراءات التصدي لكورونا في ترميم صفوف إرهابييه، ومدّهم بالسلاح وكل أشكال الدعم لمعاودة شنّ اعتداءاتهم على مواقع الجيش العربي السوري، وليس من قبيل الصدفة أن يتم ذلك بالتوازي مع الخطوات العدائية الجديدة التي اتخذتها إدارة ترامب لجهة مساعيها الرامية لتشكيل قوة عسكرية قوامها من إرهابيي داعش الموجودين تحت حماية جيشها المحتل في منطقة التنف، ومن ميليشيات ” قسد” في منطقة الجزيرة، وبالتزامن أيضاً مع عملية تجميع القوات الأميركية في ثلاثة قواعد متاخمة للحدود السورية والإيرانية مع العراق، الأمر الذي يشير إلى سيناريو عدواني محتمل يتم الإعداد له في مطابخ الاستخبارات الأميركية والصهيونية، ويهدف إلى إبقاء سورية ودول المنطقة تحت دائرة التهديد والابتزاز الأميركي كنقطة انطلاق جديدة لتسريع عملية تمرير “صفقة القرن”، في ظل حالة القلق المتصاعدة التي تنتاب الإدارة الأميركية الحالية وحكومة الكيان الصهيوني من شبح الخسارة المتوقعة لترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة.
الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة غدا، ربما تعطي تفسيراً أوضح لماهية التصعيد الأميركي في سورية والمنطقة، فأجندة الزيارة تتمحور حول إعطاء حكومة الاحتلال الضوء الأخضر لضمّ أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، – وهو ما يلقى معارضة شديدة من المجتمع الدولي، سوى بعض الأنظمة والكيانات المرتهنة للقرار الأميركي-، وإجراء الضم هذا هو جزء من عملية استكمال تطبيق بنود مؤامرة القرن، والتوافق بين نتنياهو وغانتس لتشكيل الحكومة الإسرائيلية بعد ثلاث انتخابات متتالية فشل خلالها حكّام الكيان الصهيوني بتشكيل الحكومة هو أيضاً جزء من الترتيبات الأميركية لإنجاز الصفقة المشؤومة، والتي هي بالأصل من صنع ترامب وصهره الصهيوني كوشنير، وبحال خسر ترامب الانتخابات فالصفقة معرّضة لإجراء تعديلات عليها مع قدوم إدارة أميركية جديدة، وربما يتم إلغاؤها، وترامب نفسه قال في وقت سابق أنه إذا لم تنفّذ بنود الصفقة بعهده فإنها لن ترى النور أبداً، وهذا كلّه يشير إلى أن ترامب وأركان إدارته يسابقون الزمن لتنفيذ أجنداتهم العدوانية وتكريس حالة الفوضى الهدّامة في سورية والمنطقة بما يخدم مصلحة الكيان الصهيوني ويساهم في ترجمة “صفقة القرن” على أرض الواقع.
الأميركي لا يزال يراهن على عمليات الاستثمار بالإرهاب وتوظيفه لتحقيق مشاريعه التخريبية، ولكن الفشل لا يزال يلازمه أيضاً في كل مرحلة عدوان جديدة، وإرادة السوريين كما هي إرادة الشعوب المقاومة في المنطقة قادرة على إلحاق الهزائم تلو الأخرى بالمخططات الأميركية وكل أدواتها وتنظيماتها الإرهابية، ومستقبل المنطقة لا يصنعه إلا أبناؤها الحقيقيون فقط.
نبض الحدث- بقلم أمين التحرير ناصر منذر