ثورة اون لاين:
تحكي الأسطورة عن وباء ضرب مدينة يوغياكارتا بجزيرة جاوة الإندونيسية، وأمر السلطان المواطنين بطهي طبق “سايور لوديه” والبقاء في منازلهم 49 يوما، وبعدها انتهى الوباء. ومنذ ذلك الحين يمارس سكان المدينة هذه العادة حتى يومنا هذا. يعود إلى القرن العاشر حين بلغت حضارة جاوة أوج ازدهارها، وأتاح الطبق للسكان تأمين كفايتهم من الغذاء عندما ثار بركان جبل ميرابي في عام 1006. وفي عهد السلطان هامنكوبوونو الثامن، شهدت جزيرة جاوة موجات متتالية من وباء “الطاعون الدبلي” لأكثر من عقدين.
ويعد “سايور لوديه” طبقا بسيطا من الخضراوات بصلصة الكاري قوامه حليب جوز الهند المفعم بالتوابل. وأشار خبراء التغذية الذين درسوا هذا الطبق إلى الفوائد الصحية لبعض مكوناته، مثل نبات الخولنجان، الذي اشتهر بأن له خواصا مضادة للالتهابات. ويرى الخبراء أن هذا الطبق مثالي للحجر الصحي، كونه يحتوي على مكونات موسمية متولفرة.
لكن الأهم من ذلك أن انهماك المدينة بأكملها في طهي نفس الطبق في نفس الوقت ولّد شعورا جماعيا بالتضامن والتآلف بين السكان، وكأن السلطان كان يريد أن يستنهض بأوامره روح التضامن الاجتماعي.
وتعد الأطباق في جزيرة جاوة إجمالا غنية بالرموز، إذ يعكس مثلا طبق “ناسي تومبينغ”، وهو طبق مخروطي الشكل من اللحوم والخضراوات المتوجة بالأرز الأصفر، ترتيب المخلوقات في الكون.
حيث يعتقد سكان جزيرة جاوة أن طبق “ناسي كورنينغ”، المكون من الأرز الأصفر العطري، يجلب البركة للمنازل والشركات الجديدة. ويستمد مشروب “جامو” اسمه من كلمة تعني الصلاة لأجل الصحة باللغة الجاوية، ويقال: إنه يساعد على تهدئة الأعصاب.
ولكل مكون من مكونات طبق “سايور لوديه” السبعة، دلالة رمزية لغوية، إذ تعني كلمة “باذنجان” باللغة الجاوية أيضا “يقظة”، بينما ترادف الفاصولياء الخضراء في اللغة الجاوية كلمة “بركة”، وإذا جمعنا معاني مكونات الطبق السبعةسيكون لدينا ما يشبه الوصفة السحرية.
ويعد تقليد طهي طبق “سايور لوديه”، مثالا على الطقوس الجماعية التي يرى كليفورد غيرتز، عالم إنسانيات، أنها إحدى السمات الأساسية التي تميز الثقافة الجاوية.
ورغم أن الطبق يتألف من مكونات بسيطة متاحة في جميع منازل الجاويين، فإن الطهي كان يبدأ في الماضي بعد أن يطوف موكب يتقدمه شخصان يحملان رمحا وعلما مقدسا، توارثتهما العائلة الملكية، في شوارع المدينة. لكن الطبق اليوم أصبح طبقا معتادا.
وتمد الأراضي الزراعية الخضراء التي تحيط بمدينة يوغياكارتا المزارعين بالخضراوات التي تساعدهم في مواجهة الأوبئة والثورات البركانية، كما تكثر في المنطقة أيضا المضائق والقنوات والمرافئ المهمة، وأغلب الظن أن البحارة الجاويين كان لهم الفضل في نشر الطبق خارج يوغياكارتا، ولا سيما أن أنواعا مختلفة من الحساء، إضافة إلى صلصة الكاري، توفر حلولا عملية للبحارة إذا انقطعت بهم السبل في عرض البحر.
طريقة تحضير طبق “سايور لوديه”: يغلى 100 ملليلتر من حليب جوز الهند، ويضاف إليه البصل والثوم ومسحوق الكزبرة الجافة وملح وقليل من السكر وشرائح الفلفل الأحمر والفلفل الأخضر، وسنتيمتر من الخولنجان وورقة غار، ثم تضاف ثمرة كاكايا ومكعبات الشايوت (الذي ينتمي لفصيلة القرعيات) وأوراق الميلينغو أو إغينتوم غنيمون (وهي فاكهة تشبه الزيتون)، والفاصولياء الخضراء المقطعة، وتمزج كل هذه المكونات معا. وأخيرا يضاف الفلفل ومكعبات الباذنجان والبنغريق (طعام إندونيسي يعد من فول الصويا) حتى تمام النضج.