ثورة أون لاين-علي الأحمد:
بالتأكيد ينطوي السؤال ،على أجوبة عديدة ومغايرة ،إن لم تكن مخاتلة وضبابية ،فمن جهة هناك من يبدع موسيقاه العربية وفق قوانين الجمال المعهودة ،يؤطر منتوجه بالرغم من التيار السائد ضمن حدود الدور الانساني العظيم الذي لازم هذا الفن منذ نوتته الابداعية الاولى وهناك من يقفز عن كل هذه الحقائق والقواعد التربوية والاخلاقية ،ليكتب موسيقاه الخاصة عبر التخفف من كل هذه المقولات الفلسفية ،التي لاتناسب رؤيته او مشروعه المابعد حداثوي.
وهناك ايضا ،فريق ثالث ،يتبنى لغة تجارية رخيصة ،هي بشكل او بآخر ،سليلة مقولات الفن للفن ،وحركات تدمير القواعد والاصول الراسخة ،في سبيل الاندماج في تيار العولمة وثقافته الوحيدة المعممة بقوة المال والاعلام .
وتبقى نتاجات جيل الشباب الواعد ممن حاز العلم الاكاديمي والمعرفة المتقدمة ،رافدا مهما من روافد الابداع في ثقافتنا العربية المعاصرة، صحيح انها ،لم تترسخ وتتكرس كنهج ابداعي مغاير ،في المشهد الموسيقي المعاصر الميؤوس منه ،إلا انها باتت تحفر بصمتها وحضورها في مسرى هذه الثقافة وكل ماتحتاجه هو وجود شرفات ومكانات انتاجية واعلامية ونقدية ،تحتفي بهذه الموسيقى العربية البديلة التي وحدها قادرة ،على هزيمة اللغة التجارية الاستهلاكية التي تتمدد في كافة تفاصيل هذا المشهد كوباء الطاعون.
يسأل أحدهم : هل نضب معين الفن في حياتنا المعاصرة التي قامت على تكنولوجيا رفيعة ومتقدمة ،لكنها جاءت مع كل اسف على حساب القيم الروحية والوجدانية للانسان ،والمثل العليا التي يغيّبها هذا البعُد التجاري الرخيص ،إن لم نقل المنحط ،كما غابت او غيبت القدرة على الاحساس بالذات والهوية ،وهي عوامل اساسية في الهوية الموسيقية العربية؟ نعم لقد جف نهر الابداع ،ونضب معين هذا الفن ،وانحرف مساره عن الدور الجمالي المنشود ،فأغلب منتوج المشهد اليوم ،يكرس قطيعة ممنهجة ،مع كل هذه المقولات الجمالية والذوقية ،ليستعاض عنها ،بفتات الثقافة المعولمة بنسختها المتأمركة ،ثقافة الكاوبوي ،ثقافة القطيع ،بلونها الكئيب الوحيد ،الذي هو بمثابة عمى الوان حقيقي ،حين تُغّيب وتهمش باقي الالوان المشرقة التي تمتلكها موسيقات الشعوب وتقاليدها الفنية والشعبية العظيمة.
وهكذا نرى كيف أثرت لغة التقليد والتغريب والافتتان بالآخر المغاير ،الى تناقص عناصر الجمال والتعبير في الحياة الموسيقية المعاصرة ،وفي هذا دلالة على قصور معرفي ،وجهل ونكوص إن لم نقل عقوقا بحق هذه الهوية الموسيقية التي شكلتها الذهنية الفلسفية لحكماء وعلماء هذا الفن على مدار الحقب والحضارات التي قامت على الارض العربية ،هذه الفلسفات العظيمة ،وضعت اسسا علمية وقواعد ومعايير للجمال والابداع والتلقي ،وتركت الحرية للموسيقي العربي في أن يقرأها بوعي وانتماء لهذه الهوية ويرتحل متى شاء الى هذا الآخر الغريب انطلاقا من عناصر هويته الوطنية ونظامها الموسيقي المكتمل ،في سبيل تكريس فعل المثاقفة والحوار الحضاري الخلاق معه ،لا في سبيل الذوبان والتصاغر في حضرته من منطلق دوني وضيع ،كما يحدث بشكل كارثي في اغلب تفاصيل المشهد المعاصر ،حيث الولع بتقليد الغالب ،والسير على منواله ،في سبيل بعض من فتات على مائدة العولمة المسمومة ،مع تحيات الاخ الاكبر ،الذي يمتلك كل شيء إلا روح هذا الفن وسره الدفين الذي لم يكتشفه إلا أولئك الذين نذروا انفسهم وحيواتهم لالتماس كنه وجوهر هذا الفن الجميل الجليل ،الذي ابهج الناس جميعا في كل العصور .