ثورة أون لاين – القنيطرة – خالد الخالد:
يعدُ طقس الاحتفال بعيد الفطر السعيد من الطقوس الشعبية الدينية المترفة والمزدحمة بالخصال الكريمة، والممزوجة بعبق وعطر الموروثات الشعبية والرواسب الثقافية المتجذرة في حنايا وجنبات العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية…
وهذه الموروثات الشعبية وضعت ركائز المحبة بين الناس، ومهدت الطريق لترسيخ قيم الأخلاق والتسامح والتآخي، وشيدت أيضاً جسور التلاقي بين الناس جميعاً، كما شحذت الهمم بغية التسابق إلى فعل الخير و تقديم العون للمحتاجين، رغم بساطة العيش والظروف الصعبة التي يعيشها كل أبناء المجتمع، ولعلَّ شهر رمضان الكريم الذي عودنا على حب الله والتقرب منه كان وما زال من أهم المحطات الدينية التي تكرس مكارم الأخلاق وتعيد اللحمة والتآخي بين صفوف المجتمع كله… وها هو رمضان يودعنا مسرعاً كما استقبلناهُ فرحاً، تاركاً في قلوبنا روح الإيمان وقبسات من نور الخير معلناً قدوم محطة جديدة من محطات الإيمان، وصورة حية من التفاعل الاجتماعي والثقافي (إنه عيد الفطر السعيد) بصبغتهِ العطرة المعتادة…
والحديث عن تجليات عيد الفطر في المجتمع الجولاني يطول شرحه ولهُ عبقهُ الخاص، وطقوسه الفريدة، وهذا الطقس الديني قد لا يختلف عن الطقوس الأخرى في البيئات السورية كلها، ولكنه في الجولان السوري بشطريه المحرر والمحتل هو بنكهة عطر زهر اللوز و ربما أجمل، لأنهُ مشبعُ برائحةِ القهوة العربية الندية، بل برائحة الخبز الجولاني الموشح بزيت المحبة و الجود و السخاء، بل برائحة كعك العيد العابق ههنا بين العروق و والأنفاس، وربما العيد في رحاب الجولان هو أجمل لأنهُ يُعبُر عن لغاتِ الفرح في وجوهِ الأطفال الذين يحلمون بقدوم العيد الحافل بالهدايا والثياب الجديدة ، لأنهُ في مخليتهم صورة بيضاء تحمل بين طياتها كل شيءٍ جديد ، العيد أغلى في وطني لأنه يكرس في فكرِنا و قلوبنا حنين العودة إلى ديارنا المغتصبة ، التي طال انتظارنا لعناقها.
العيد في وطني كصوتِ الربابة يُوَلّدُ فينا خصال الحب و العشق، رحلة من التصوف والتجلي تبدأ ولا تنتهي….
سجايا العيد في القنيطرة كثيرة لعلها ثقافات متعددة وموروثات شعبية ممزوجة بثقافة دينية مفتوحة، تتجلى بثقافة صنع أطباق الحلوى وإعداد الطعام والشراب، وكلما تعمقنا في الجزئيات وجدنا اللؤلؤ كامناً هناك في الأعماق…
و لهذا العيد الذي يلوح لنا معانقًا نفحات كثيرة يترجمها أهالي القنيطرة في علاقاتهم و تصرفاتهم و واجباتهم ، تبدأ بصلاة العيد و زيارة القبور و قراءة الفاتحة على روح من فارقهم من الأحبة، ومن ثم مجالسة الأهل وتناول طعام الإفطار مع العائلة، و تنتهي بوصلِ الأرحام و زيارة الأقارب…
فكل عام و الديار عامرة برائحة قهوتها العربية الأصيلة، ونسيجها الاجتماعي الوطني المتماسك، آملين أن يأتي العيد القادم وقد عاد الجولان إلى حضن وطنه الأم… وكل عام و أنتم بخير والوطن بألف ألف خير …