كيف لقلب أعطى كل هذا الحب أن يخون جسداً لا حول له ولا قوة..!! كيف لقلب مسح بحبه آلام الموجوعين واليتامى أن يخون جسد صاحبه وتخون نبضاته كل هذا الحب والعطاء..؟!
علاقة القلب بالجسد كعلاقة الورق بالمحتوى، وعلاقة الفضاء الرقمي بالمحتوى.. ففي الأولى قلما يخون المحتوى الورق، حتى أن الجسد لايتداعى إذا ما مر شريان أو ورقة خائنة، لأنها تسقط وحدها ويبقى المحتوى بنبض بالحب والصدق والحياة…
أما في الثانية فكثيراً ما تغلب الخيانة للجسد فكل الشرايين “البوابات” تجري بعكس نبض القلب “المحتوى الرقمي” متجاوزة أنماط الدقات بحسب المكون للمحتوى من دولارات أو بترودولارات.
الصحافة الجديدة في الفضاء الرقمي قفزت فوق المستوى المطلوب والهدف الأساسي للإعلام ولم يعد المتلقي متلقياً للخبر من مصدره الصحيح والأساسي، وإنما دخل مرحلة شراكة حقيقية مع إنتاج الخبر، فصحيفة الغارديان الإلكترونية تتيح للمتابعين الحصول على المال أو الاشتراك المجاني في منتجاتها على مستوى الخبر أو التحليل مقابل رفدها بالمعلومة.
هذا الدفع مقابل المعلومة والذي تعتبره أوروبا والولايات المتحدة قفزة نوعية في عالم الصحافة يقودنا إلى التهلكة والأحادية في الرأي، باعتقاد المتلقي أو المستهلك أنه مشارك برأيه ويوجد مساحة حرية ومساحة للنشر، لكن الفخ الذي يقع به من دون أن يدري هو أن تلك الصحف تقلب كل المعادلات لصالحها عبر توحيد الآراء ووضعها ضمن سياساتها وتحت سيطرتها ووجهة واحدة في قبول النشر أو عدمه، وبالتالي تؤسس لشبكات تواصل على غرار فيسبوك وتويتر عبر الصحف وتبث سمومها عبر مستويات ثقافية وإعلامية وفكرية ومن منابرها الأحادية المحتوى والفكر، وبالتالي تزيد من وتيرة النفاق الاجتماعي والإعلامي..
جائحة كورونا المستجد نقلتنا إلى عالم النشر السريع، والشفافية في الصحف الورقية استمرت مع انتقالها إلى الصحف الرقمية في صحافتنا السورية، لكن لا نأمن الفضاءات الرقمية التي لا نملك السيطرة على بواباتها الأميركية والأوروبية وغيرها، فدروبها شائكة، لذا لا بد من سلك الدرب الورقي الإنساني المغلف بنبض حيواتنا الحقيقية من دون زيف أو خذلان أو خيانة لجسد أو محتوى…
رؤية- هناء الدويري