ثورة أون لاين – فؤاد مسعد:
كثيراً ما أطلق مخرجون مصطلحات يصفون من خلالها آلية عملهم ونتيجة إبداعاتهم التي تتميز عن غيرها ضمن إطار (المسلسل التلفزيوني) للدلالة على مدى اهتمامهم بالصورة وأنها بحد ذاتها لغة، ومن تلك العبارات المتكررة (الرؤية البصرية، المشهدية السينمائية..) وبغض النظر عن مدى صحة هذه المصطلحات، فمما لا شك فيه أن الصورة لها دلالاتها فعلاً وهي مكوّن أساسي ضمن العمل الدرامي التلفزيوني، وهناك مشاهد (خاصة في السينما) قد تكون صامتة ولكنها أبلغ من آلاف الكلمات، ولكن ماذا لو أتت هذه الصورة بلا قيمة؟..
هو سؤال بات يُثار بشدة بعد متابعة مسلسلات تلفزيونية أثبتت وبشدة أنها تستحق المرتبة الأولى ضمن فئة (المسلسل الإذاعي) والطامة أنها مكتوبة أساساً كسيناريو انطلاقاً من هذه الفكرة، ربما دون دراية من الكاتب نفسه، وانجر المخرج للفخ وعوضاً من أن يُنقذ ما يمكن إنقاذه بصرياً غرق معها أمام كاميرا وقفت عاجزة رغم ما تمتلك من قدرات فأطرها ضمن جدران اسمنتية مقيداً حركتها وفق آلية معينة لم يستطع الخروج منها، لتبدو العديد من الأعمال وكأنها مسلسلات إذاعية مصورة.
فإن أغمض المشاهد عينيه أو أشاح بوجهه عن الشاشة هل تصله الرسالة نفسها وبالحرارة عينها؟.. إن كانت الإجابة (نعم) فمعنى ذلك أن ما يتابعه هو مسلسل إذاعي لا يمت للدراما المتلفزة بصلة ، ولا يستحق أن يُعرض على الشاشة ويكفيه فخراً أن يُبث على أثير الإذاعة ، وهنا لا نقلل شأناً من المسلسل الإذاعي فالمشاركون فيه يحتاجون إلى ملكات خاصة ليحققوا النجاح لأن الصوت في هذه الحالة هو الحامل الوحيد للحكاية إلى المشاهد ، وبالعودة إلى الشاشة ولما تم عرضه في الموسم الدرامي الأخير نجد أن هناك العديد من الحلقات التي مرت في أكثر من مسلسل يمكن متابعتها عن طريق الأذن فقط، واقتصرت وظيفة المخرج فيها على الرصد دون أي اجتهاد يُذكر.
ليستطيع المخرج الذي يمتلك قدرات حقيقية أن يقدم الأفضل هو بحاجة إلى نص يحرضه ليحلّق في حلوله الإخراجية وخياراته الإبداعية ، فأساس العملية الإنتاجية (النص) ، وإن غاب انكفأت معه إلى الوراء العناصر الإبداعية الأخرى التي تشكل في مجموعها معه الناتج النهائي للعمل الفني ، كما أن تقدم أشخاص من الصفوف الخلفية ليتصدوا لعملية الإخراج ويُطلق عليهم مع الوقت صفة (مخرج) بحكم الأمر الواقع ، هو سبب آخر يضاف إلى التراكمات المَرَضية التي تعاني منها الدراما ، ولن يُقَوّم الحال إلا بنهضة درامية حقيقية يتم فيها الفرز بين الطفيلي والأصيل ، وإحكام المصلحة الإبداعية فوق كل اعتبار .