الملحق الثقافي:ثناء خضر السالم:
النص هو الركيزة الأساسية لانطلاقة دراميّة موفّقة، فلا يمكن غض النظر عن أولويّته، فمن خلاله يبدع الممثل ويأتي الإخراج الجيد ليكمل النص فيأتينا عمل يستحق المشاهدة والمتابعة.
لو وقفنا عند هذه العبارة (عمل يستحق المتابعة) سنشعر بأشدّ درجات الخيبة. فأنا كل عام أقلّب حتى أتابع بعد أن آخذ فكرة سريعة عن كل عمل، وكعادتي قلّبت ولكني انصعقت تماماً بالهبوط والانحدار الذي وصلت إليه درامانا التي كانت رائدة.
(حركات بنات): المشهد الأول من هذا المسلسل فتيات يتراشقن المسبّات على سبيل الدعابة والتسلية، ولمّا تصل إحداهنّ إلى كلمة (شرنّة) في المسبّة تطلب منهن رنا الأبيض أن يكففن عن ذلك ليس لأنّ الأمر معيب ولكن حتى لا يقلب المزح جدّاً ويتقاتلن. فيا سلام درامانا تمجّد الشتيمة شرط ألاّ تؤدّي إلى خلاف.
(ميّادة وأولادا): قصة الهزل والتهريج الذي يطالعنا به المشهد الأوّل منها. ميّادة التي فقدت زوجها من مدّة وجيزة تخرج إلى الصالون على صوت أولادها الأربعة- وهم في عمر الشباب- يهرجون ويمرجون في أثناء متابعتهم مباراة.
كما كتبت سابقاً الدراما متعة وفائدة فأين المتعة في الرقص أمام شاشة تلفاز تعرض مباراة وما الفائدة المرجوّة من عرض مشهد لأولاد لا يعنيهم موت أبيهم، فإن كان هذا الأنموذج من الأولاد موجود هل نعزّزه؟!
(هواجس عابرة): كلمات الشارة تشدّك بقوّة لتدرك أنّك أمام عمل خلّبي أبطاله قامات فنية جميلة رضيت الإساءة لمسيرتها الفنية وأنجزت عملاً بلا فكرة. لم أتمكن من مناقشة أية فكرة فيه كونه أبعد ما يكون عن المنطق والحبكة والحياة.
(بروكار): وفي العودة إلى مسلسلات البيئة الشامية التي يجتمع على حبها كثيرون. تظهر بثينة أنموذجاً لامرأة قوية كانت موجودة في تلك الحقبة.
بثينة لمّا يتعرّض والدها للسرقة تذهب لتواجه رجال الحارة المجتمعين لمساعدته وتقول: نحن لا نحتاج معونة، نريد حقنا فقط. وترمي بضع كلمات في حق رجولتهم وهم صامتون. وفي مشهد آخر تسأل والدها عن سبب مجيء عصمت لزيارته، فيرد منذ متى تتدخّل النسوة فيما لا يعنيها. فعلاً التناقض غريب عجيب.
والمثير للتساؤل أنّه كيف لم تصل رائحة المازوت عندما كانت افتكار ترشرش المازوت، فقد كادت رائحته تصل إلى أنفي، بينما الصبايا مشغولات بِوصلة الفرح عقب وجبة الغداء، فلعل رائحة البهجة تقتل رائحة المازوت.
(ببساطة) وبجزأيه لم ينجح في أن يكون على شاكلة بقعة الضوء باستثناء بعض الحلقات، لذا سأقف عند ما أمكنني مشاهدته في جزئه الثاني، لقد خرج باسم ياخور عن الطريق تماماً، وقد افتعل كثيراً الصراخ والضجيج، فكنّا نسمع جعجعةً ولا نرى طحيناً. فأين مسيرته الإبداعية حتى يفرّط بقيمته. نجد النصوص الهزيلة المعتمدة على أفكار سابقة في محاولة إحيائها، فمن منّا ينسى (أبو رزّوق) في مسلسل أيّام الولدنة وكيف ضحكنا من أعماقنا حين اختفى بعد أن وفّاه ابنه لسبب ما، فلم يتمكن من رؤيته أحد إلاّ رزوق، وقف بالشورت فقط في منتصف الطريق، لم يشاهده أحد، قبّل فتاة على خدّها وكأنّه لم يفعل. إحدى حلقات ببساطة قدمت نفس الفكرة بطريقة لم نصل بها إلى مغزى أو فكرة أو قيمة، كاميرا تصور، أشخاص يتحركون أمامها.
الحلقة التي تلتقي فيها رنا شميس بحبيبها السابق- وعلى يدها ابنتها- في السوبر ماركت، ويقوم هو بشراء عدة أغراض غالية الثمن مع كيس حفاضات لإيهامها أنه تزوج ولديه ولد وأنّه ميسور الحال. تتخيلون معي أن أشاهد حلقة تلفزيونية ركيزتها بوست على الفيس قرأته سابقاً؟
ثمّ ما الذي تقدّمه حلقة (شدّوا لنا الهمة) وهل حقاً العرسان أنجبوا هذا العدد من الأول من تشجيع محمد الأحمد جارهم الذي يخرج من كل مكان ليقول عبارته التي تتكرّر كلازمة (شدّوا لنا الهمة). وهو المشجع على الزواج وغير متزوّج وهم لا يعرفون ذلك وهم جيرااان؟!! فيضربونه في نهاية الحلقة.
مسلسلان شدتني كل التفاصيل فيهما الأوّل (السّاحر) والثاني (مقابلة مع السيّد آدم).
(الساحر) موضوع التنجيم جديد على الدراما السورية، مرّ في مسلسل (الولادة من الخاصرة) بعض المشاهد عنه، وهنا العمل كله ليخدم الموضوع. أحببتُ كثيراً إبداع عابد فهد المنسجم مع دوره ك dg بداية، وانطلاقاً إلى تقمّصه دور المنجّم، ونجد عنده حس الفكاهة يزيدها الذكاء اللغوي في النص. إجمالاً حضور الممثلين السوريين في هذا العمل المشترك مع الممثلين اللبنانيين زاد المسلسل ألقاً وقوّة. المسلسل لم يكتمل تصويره بسبب الكورونا، لكن الممثلة اللبنانية التي أخذت دور سابين كان ثمّة حلقة مفقودة وغير مفهومة بشكل واضح عن حياتها التي انتهت دعساً بسيارة.
(مقابلة مع السيّد آدم): هذا المسلسل المشغول بدقّة وحنكة، فالنص محبوك بطريقة جميلة فيه عنصرا المفاجأة والتشويق اللذان نجحا في شدّ المتلقّي. كل الشخصيّات التي شاركت أبدعت وتحديداً غسان مسعود الذي قدّم حالات انفعالية غاية في القوة من حزن شديد وقدرة على ضبط النفس أمام إصرار ابنه على زيارة أخته في بيروت، ولجين إسماعيل الذي مرت شخصيّته بتغيّرات ، وكذلك رنا شميس التي كرهها الناس لقوة أدائها دور الشريرة- مصطفى المصطفى الذي أدّى دوراً استثنائيّاً ومهماً، فلجين إسماعيل شدّني في فيلم ردّ القضاء وهنا شدّني مصطفى. لكن ثمة ملاحظات ليس الآن مجال ذكرها.
هذا العمل الجميل الذي استمتعنا فيه بأداء الممثلين والإخراج والنص، كان يمكن أن يتجاوز هذه الهنات لو لجأ الكاتب إلى استشارة درامية من قبل أحد كتابنا، فالاستعانة بالآخر ليست ضعفاً، وإنّما هي على سبيل التأكّد من سير النص على ما يرام.
ولا يخلو النص من إطالة غير مبررة، مثلاً في حديث ورد وزوجته عن تفاصيل الجريمة التي حفظناها، أظن ثلاث حلقات كان يمكن الاستغناء عنها. والسؤال: هل كان المخرج موفّقاً بإعطائنا فكرة عما سيحصل في الجزء الثاني، وهل ستكون فكرة ثلاثين حلقة أخرى بالتشويق ذاته؟ هذا ما نتمنّى.
الاعتماد على أسماء فنية كبيرة لن يخلق عملاً فنياّ ناجحاً، بل سيهبط بهذا النجم وسنتساءل: هل حاجته إلى المال كانت السبب؟ في الدرجة الأولى درامانا تحتاج المنتج الواعي المفكر الذي لا يرضى بنص هزيل.
التاريخ: الثلاثاء9-6-2020
رقم العدد :1001