ثورة أون لاين-هفاف ميهوب:
في أميركا المُستبدِّة
تقول الكاتبة والشاعرة الكندية “مارغريت أتوود” عن روايتها “قصة الخادمة” الشهيرة بانتمائها إلى أدب المدن الفاسدة.. مدن أميركا التي يتمُّ إرغام النساء فيها على حمل أطفال الطبقة الديكتاتورية الحاكمة والمُستبدة:
“البعض اعتبر الرواية ضرباً من الخيال المبالغ فيه حين صدرت لأول مرة عام 1985. لكن، عندما كتبتها كنت متأكدة أنني لا أتحدث عن شيء لم يفعله البشر بالفعل، في مكان ما ووقتٍ ما. الآن ترون مؤشرات على ما تحتويه، فالبعض لجأ إلى كندا منذ انتخاب ترامب. تماماً مثل بطلة الرواية التي تحاول الفرار إلى كندا..”.
لا شكَّ أنها مؤشرات، لأن الكاتبة كشفت بها حقيقة أميركا وبطشها، منعت روايتها من التداول في الأسواق لفترة زمنية طويلة، لتعود بعدها وبقوةٍ جُسدت في أعمال سينمائية وتلفزيونية، ونالت الكثير من الجوائز الأدبية.
إنه الواقع الذي قد لا يتخيّل مقدار بشاعته، إلا من شهدَ ما اقترفته العصابات المجرمة، والتنظيمات السياسية والدينية الآثمة. التنظيمات التي استندت في سنِّ قوانينها، على أفكار ونصوص اجتزأت منها ما يلائمها لفرض هيمنتها على الحياة التي حللت لنفسها فيها، إذلال الإنسانية وإبادتها.
هذا هو مجتمع الاستبداد والشر الشيطاني.. المجتمع القاسي والعنيف في ملاحقة كل من يفكر بالخروج عنه، بل ورجمه وقطع أطرافه وشنقه وسوى ذلك ما جعل الرواية صورة واقعية لتاريخ من الإجرام الأميركي.
أوليس هذا ما شهدناه وكان أفظعه، ما فضحت به “أتوود” المارد الأميركي الذي قزّمته؟.. فضحت لا أخلاقيته في كل الممارسات، ولا سيما مع المرأة التي كان مصيرها في ظلِّ هذه التنظيمات.. استعبادها كجارية أو سبيّة، يتم تدريبها على يدِّ نساءٍ يقمن بتأهيلها كخادمة مطيعة لسيدها ونزواته، ودون أن تناقشه أو حتى ترفض أمرَ زوجته التي تجندها لإنجابِ طفل لمن حُرم منه. ذلك أن التلوث وانتشار مرضٍ وبائي، قلل نسبة الخصوبة وهدّد البشر بالانقراض.
هذا ما يحصل في جمهورية سياسية دينية، شُكلت إثر ثورة سيطرت على السلطة وأحالت القصر إلى سوق للمزاداتِ الشهوانية.. سوقُ، تُحرم الجارية فيه حتى من اسمها، وعليها أن تلبي كلّ الرغبات التي تحرمها من إنسانيتها وتستعبدها.. إن فشلت أرسلت إلى المستعمرات لتنظيف النفايات الإشعاعيّة، وإن نجحت تبقى مجرّد خادمة يقتلها القهر بسبب إجبارها على ترك زوجها وأبنائها وحياتها الأسرية.
نعم، هي مجرد جارية تعيش في الظلمة، ولا شيء يؤنس وحدتها سوى الذكريات المؤلمة.. تسترجعها وهي تحاول الهروب مما تعيشه من اضطهادٍ وعذاب، فتلفتها عبارة كانت الجارية التي قبلها قد نقشتها: “لا تدعي السفلة يمرغون وجهك بالتراب”..
ملاحظة: ما يؤكد هذا التاريخ المخزي لأميركا الموغلة في استبدادها وهيمنتها، عجز كلّ من يفكر بتحميل رواية أو مقال أو كتاب، يدينها ويفضح حقيقتها.. عجزه عن التحميل من أي موقعٍ إلكتروني، وسواء للكاتب أم للأدب العالمي.. أما ما يستفزه أكثر، فما يظهر له على مدى محاولاته، ويراد منه إبعاده عن مراده. ما يظهر له من ألعاب أو مسابقات، وصور مبتذلة حتى في الفيديوهات.

السابق