ثورة أون لاين -لميس علي:
“الآن تقبلت من دون إرباك الإحساس المقلق بكوني بين ذراعيه شاعرةً بقوته، أشعر بحنان لا حدود له نحوه. هي ذي الحياة التي كنت أنتظرها”
بوضوح هذه الكلمات عبرت سيمون دي بوفوار عن حبّها لجان بول سارتر في يومياتها المعنّونة “عن هذا الوقت”..
غريب كيف أن منطق الحب يجعلنا أناساً آخرين غير أنفسنا.. أو لعله يقرّبنا من لحظة اكتشافها ومعرفتها أكثر.. يقربنا من لحظة تعرّينا أمام ذواتنا..
في يومياته ضمن الصفحات الأخيرة منها، اعترف الشاعر الايطالي تشيزاري بافيزي عن لحظة عريّه أمام ذاته، كيف لم يستطع مواجهتها فكتب معلناً: (إننا لا ننتحر بسبب الحب من أجل امرأة، بل ننتحر لأن الحب، أي حب، يكشف عُريّنا، وبؤسنا. يُظهرنا عُزّلاً وسط العدم). انتحر بافيزي في غرفة بفندق وهو في الثانية والأربعين من عمره بعد خمسة أشهر من علاقة غرامية مع شابة امريكية أصبحت ممثلة فيما بعد ذلك في عام 1950 في الخامس والعشرين من شهر آذار.
كيف يمكن للحب أن يكون وسيلة لفضح عريّنا..؟!
وكيف نحتشم بالحب..؟
في كتابه “دفاعاً عن الجنون” تحدث الكاتب ممدوح عدوان عن معاني الحب، متى يكون قذراً ومتى يكون نظيفاً.. متى يكون طازجاً ومتى يكون مقدداً، يقول: (الحب هو المقياس، والحب هنا ليس الحب العذري وليس الحب الجنسي. ليس حب نفسك ولا حب المرأة، هو حب الإنسان الذي تكتشف في المرأة وفي نفسك. حين يحدث ذلك تكون الأفعال كلها نظيفة. بهذا يتغير العالم وقوانينه، وتتغير القيم وممارستها وتتغير اللغة ودلالاتها. عندها “نحتشم بالعري”)..
وفق كل من عدوان وبافيزي فإن الحب أداة تعرّينا.. ثم تُعيد احتشامنا عبر العري.. حينها يكون الحب أداةً لكشط كل أوساخ العقل.. أوساخ الماضي العالقة بفعل تراكم زمني. والوسيلة الوحيدة لتنفيذ عملية الكشط تكون عبر الحب (فالحب يعيد توحيدك بنفسك وبالعالم من خلال توحيدك بالمرأة التي تحب. وبالتوحيد “نتحرر من ما ليس منا”)..
وفق ذلك فإن الحب أداة نُعيد عبرها اكتشاف أنفسنا حتى لو كلّف ذلك الغوص إلى أعماق نقطة في قاع الذات..
لا يهم.. لطالما سيُقابَل الغوص عميقاً نحو الأسفل، نحو منحدراتنا الابشع، صعوداً شاهقاً نحو مرتفعات كينونة كل منا حين يتقن التنقيب في أرض روحه.
حين وصفت شعورها وهي بين يدي محبوبها (سارتر) “بالإحساس المقلق” غالباً ما كانت دي بوفوار تقصد الإشارة لتلك الطبيعة الضدية للحب.. كمصدرٍ لتشتيت استقرارنا من جهة، وكونه بذات الوقت منبع راحتنا وطمأنينتنا.
استوعبت وتقبلت كل أفعال سارتر الذي أقنعها بعقد زواج على هيئة عقد تعايش مدته سنتان.. وأقنعها أن علاقتهما ينبغي أن تستمر طوال الحياة على ألا تشتمل على أي نوع من الحرمان من علاقات عرضية.
أثّر التقلّب العاطفي لدى الطرفين إنتاجاً على صعيد الفلسفة والأدب لاسيما بالنسبة ل(دي بوفوار).. فكان أن امتلأت يومياتها “عن هذا الوقت” بالحديث عن علاقتها بسارتر.. كما تضمّن كتابها “الجنس الآخر” وصفها رغبتها التي تخفيها عنه متحدثةً “عن المرأة التي تقدم حياتها حتى يوم حسابها لرجلها الذي تحب”.
لم ينج الثنائي من تخبطات الحب لكنهما بذات الوقت جعلا منه تلك النافذة التي أطل عبرها كل منهما على شواهق ذاته.