الثورة اون لاين – يمن سليمان عباس:
لم يكن عمر نازك الملائكة عابرا كما الكثيرين ممن عاشوا وذهبوا،هي النغمة الجديدة التي كسرت رتم الايقاع في الشعر العربي القديم
الذي أصابه الصدأ ، تمر هذه الايام ذكرى رحيلها ،وهي التي مازالت مع كل شاعر عربي يكتب قصيدة التفعيلة. إذ هي التي فجرت هذا اللون من الشعر منذ عام1947 وقصيدتها الكوليرا وكتبت عنه ونظرت له ، وبذلك أسست للشعر العربي ليكون خارج القيد الذي رسف فيه زمنا طويلا , وكان لابد من تفجير الطاقات الكامنة في بحور الخليل ، من التفعيلة إلى ما تم فيما بعد .
بذكرى رحيلها ، لايمكن للمتابع إلا أن يقرأ الحزن المعنكب في ابداعها , لاسيما مجموعتها المهمة (عاشقة الليل ) :
إِيهِ يا عاشقةَ الليلِ وواديـــهِ الأَغــنِّ
هوذا الليلُ صَدَى وحيٍ ورؤيـــا مُتَمنٍّ
تَضْحكُ الدُنْيا وما أنتِ سوى آهةِ حُــزْنِ
فخُذي العودَ عن العُشْبِ وضُمّيهِ وغنّــي
وصِفي ما في المساءِ الحُلْوِ من سِحْر وفنِّ
*
ما الذي ، شاعرةَ الحَيْرةِ ، يُغْري بالسماءِ ؟
أهي أحلامُ الصَبايا أم خيالُ الشعـــراء؟
أم هو الإغرامُ بالمجهولِ أم ليلُ الشقــاءِ ؟
أم ترى الآفاقُ تَستهويكِ أم سِحْرُ الضيـاءِ ؟
عجباً شاعرةَ الصمْتِ وقيثارَ المســـاء
طيفُكِ الساري شحوبٌ وجلالٌ وغمـوضُ
لم يَزَلْ يَسْري خيالاً لَفَّه الليلُ العـريضُ
فهو يا عاشقةَ الظُلْمة أســـرارٌ تَفيضُ
آه يا شاعرتي لن يُرْحَمَ القلبُ المَهِيـضُ
فارجِعي لا تَسْألي البَرْق فما يدري الوميضُ
عَجَباً ، شاعرةَ الحَيْرةِ ، ما سـرُّ الذُهُولِ ؟
ما الذي ساقكِ طيفاً حالماً تحتَ النخيـلِ ؟
مُسْنَدَ الرأسِ الى الكفَينِ في الظلِّ الظليلِ
مُغْرَقاً في الفكر والأحزانِ والصمتِ الطويلِ
ذاهلاً عن فتنةِ الظُلْمة في الحقلِ الجميــلِ
**
أَنْصتي هذا صُراخُ الرعْدِ ، هذي العاصفاتُ
فارجِعي لن تُدْركي سرّاً طوتْهُ الكائنــاتُ
قد جَهِلْناهُ وضنَــتْ بخفايــاهُ الحيــاةُ
ليس يَدْري العاصـفُ المجنونُ شيئاً يا فتاةُ
فارحمي قلبَكِ ، لــن تَنْطِقُ هذي الظُلُماتُ
ولدت في بغدادعام 1923م في بيئة ثقافية وتخرجت في دار المعلمين العالية عام 1944. دخلت معهد الفنون الجميلة وتخرجت في قسم الموسيقى عام 1949، وفي عام 1959 حصلت على شهادة ماجستير في الأدب المقارن من جامعة ويسكونسن-ماديسون في أمريكا وعينت أستاذة في جامعة بغداد وجامعة البصرة ثم جامعة الكويت.
وتوفيت عام 2007م
تقول عنها كوكب داود سالم الناقدة العراقية المعروفة :
(ورغم كل الآراء المتضادّة التي رافقت مسيرة الشّاعرة الكبيرة الرّاحلة ، والرّائدة في عصرنا الشّعري الحديث ، منذ ديوانها الأوّل عاشقة الليل في العام 1947 ؛ فلا يمكن لكل ذي قلم منصف أن يجحد ريادتها لحركة التجديد في الشعر العربي ،أو يبخس مستوى شاعريتها المتدفقة ، أو يحجم من طاقتها الهائلة في دراسة النّصوص وتحليلها، ودراسة ما تعانيه المجتمعات العربية بنظرة ثاقبة، وبلا تردد أو تزويق للواقع الذي جاهدت من خلال كتابها ( التّجزيئية في المجتمع العربي) أن تقود المجتمعات العربية كي تثور على حالة الجمود والتقليد الأعمى للغرب ، وحالة الانقسام العاطفي والفكري الذي يعانيه الفرد العربي.
إنّها امرأةٌ أديبةٌ ومفكرةٌ من الطّراز الرّفيع، وعاشقة للحرف العربي ، وللغة العربية ،وتراث العروبة، وساعية لنشر الوعي والحب لهذا التّراث الذي خلّفه لنا الأجداد ، والانتماء إليه كوطن لا يحقّ للفرد العربي أن يفرط به مهما طالت أعوام الرّماد وكبرت شِدّة البلاء
1- وبين هذا وذاك هي امرأة ثائرة ورثت الثّورة عن طريق اسمها نازك الذي أسماه إيّاها جدّها تيمناً بالثّائرة السّورية – نازك العابد – ضد الاحتلال الفرنسي لسورية العربية
2. وهي امرأة شاعرة تهمّها قضايا أمتّها المصيرية، (وبالأخص القضية الفلسطينية )وتساندها في قصائدها ومقالاتها ومواقفها ما استطاعت الى ذلك سبيلا. فكانت مثالا للمرأة العربية المبدعة التي أنفت رغد العيش ودلاله وانتقدت حالة التّبذير التي بدأت تتسلل للمجتمع العربي فتبعده عن الاستعداد النّفسي والرّوحي للانتصار لقضية العرب المركزية في فلسطين العربية.