المنطقة إلى أين؟

لم تمر الأمة العربية والدول العربية بشكل عام بظروف هي في غاية السوء كما هي عليه الآن، فالصراعات البينية والاحتراب الداخلي والتدخلات الخارجية قائمة في أغلب تلك البلدان.. والأخطر من ذلك أن القوى الاستعمارية التقليدية التي اعتقدنا أنها أصبحت في أرشيف التاريخ ومروياته ومنسياته باتت تعود مرة أخرى مكشرة عن أنيابها، معلنة عن كل ما تحمله من مخبوء حقدها على الأمة العربية وشعوبها، والأنكى من ذلك أنها على خلافاتها وتناقضاتها تجتمع علينا وكأننا فريسة سهلة تتناهشها الكلاب المسعورة..

إن المراقب للمشهد يصاب بصدمة ما بعدها صدمة وهو يرى الأرض العربية والسيادة الوطنية لأغلب البلدان العربية تستباح وتنتهك ويقتل ويشرد أبناؤها وتدمر مؤسساتها وجيوشها وتنهب ثرواتها وكأنها أشياء مستباحة لا هوية لها ولا تاريخ ولا انتماء، في حين كان العرب هم سادة العالم وامتدت امبراطوريتهم من الصين شرقاً إلى إسبانيا غرباً، وكان العالم كله يعيش على توقيت دمشق وبغداد والقاهرة عواصم أعزها الله بالعروبة والإسلام وشدة البأس.
إن السؤال الذي يجب أن يطرح يكمن في الوقوف على أسباب ما نحن عليه من حالة يرثى لها على المستويين القومي والوطني، ولماذا وصلت الأمور إلى هذه الدرجة من السوء بحيث أصبح العدو الصهيوني يعبث بأرض فلسطين التاريخية ويهوّد الأرض العربية ويدنس مقدساتها، ويؤازره الأميركي باعترافه بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني وبضم الجولان العربي السوري المحتل متحدياً مشاعر العرب والمسلمين، ومنتهكاً الشرعية الدولية وقرارتها ويدوس على ميثاقها؟.. وعلى المقلب الآخر تحاصر أثيوبيا مصر وتسعى لخنق شعبها بحجز مياه النيل.. ومصر هبة النيل وهو شريان حياتها.. ويعود التركي بطربوش العثمانية منتهكاً سيادة ثلاثة بلدان عربية: سورية والعراق وليبيا.. وعينه على مصر والحجاز.. فيما دول الخليج العربي تمارس في أغلبيتها دور الممول للحروب والمتآمر على أبناء الأمة، والمصفّق لأدوات العدوان، والمهرول تجاه إسرائيل اللاعب الخفي والمعلن الذي يقف وراء كل ما يجري ويستثمر فيه.
إن ما تمت الإشارة إليه ليس هدفه خلق حالة من الإحباط واليأس في نفوس أبناء الأمة، وإنما إيجاد الحافز للعمل ومواجهة ما يجري بروح من الثقة والتحدي والقدرة على الفعل، وهو أمر ممكن ولا شك، ولكن من خلال تبيان نقاط الضعف وتجاوزها والبناء على نقاط القوة والاشتغال عليها لجهة وضع حد لهذا التراجع المريع لأوضاعنا، بوصفنا أمة لها تاريخ وحضارة ورسالة، ولا يليق بها أن تكون على هذه الحال من الفرقة والتشرذم والضعف والاستهداف والضياع.. وهنا تكون نقطة البداية للخروج من هذا المأزق التاريخي، وهي تكمن بتشخيص الحالة تشخيصاً دقيقاً وصولاً لخريطة طريق تضعنا على خط البدايات الصحيحة، ويأتي على رأس تلك الأسباب غياب بناء الدولة الوطنية القوية التي تشكل حجر الأساس في البناء القومي الشامل والذي بدونه لا يمكن أن يكون للعرب مكانة في عصر العولمة والتكتلات الكبرى وسيادة العقل والعلم والمعرفة، واذا كان هدف قيام وحدة عربية يدخل في حيز الأحلام الرومانسية عند البعض كثرة أو قلة، فليكن تضامناً عربياً أو تكتلاً عسكرياً اقتصادياً لنواة عربية تجمع سورية ومصر والعراق والجزائر على أقل تقدير، لتكون النواة الصلبة لإطار قومي عربي هو تحالف الضرورة لمواجهة ما يجري، وهذا لا يدخل في دائرة الأوهام أو الأحلام، فكل ما يحتاجه ذلك هو الإرادة السياسية والتحرر من التبعية لقوى الخارج، والقرار الوطني المستقل.. وثمة سيناريو آخر يتمثل في التحاق مصر بمحورالمقاومة وهي التي تواجه عدوانين وأكثر من تحد، سواء ما تقوم به أثيوبيا أو على حدودها الغربية حيث التركي المحمل بالإرث العثماني ينصب خيامه على حدودها، ناهيك عن التنظيمات الإرهابية المعششة في سيناء مدعومة من العدو الصهيوني بهدف استنزاف مصر وجيشها، الذي أصبح عاشر أفضل جيش في العالم، وهذا ما يخشاه العدو الصهيوني ويضعه في حساباته الاستراتيجية ويسعى لإخراجه من معادلة الصراع في مواجهته، وهو الذي استهدف الجيشين السوري والعراقي عبر حروب الوكالة والإرهاب.
والحال: إن ما تشهده المنطقة العربية من استهداف ممنهج تحول إلى فعل مكرس على الأرض متساوق مع حمى عودة الاستعمار وفتح شهية الغرب وغيره على العرب، وتمادي العدو الصهيوني في اعتداءاته على ما تبقى من فلسطين، والمضي قدماً في ابتلاع القدس وتهويدها، كل ذلك وغيره يستدعي موقفاً شجاعاً وتاريخياً من قيادات عربية في أكثر من دولة عربية لها ثقلها ووزنها في المشهد الإقليمي والدولي، لتكون إلى جانب سورية وقوى المقاومة، وتقلب الطاولة على الجميع وتحسم خياراتها وتنتقل من الرفض السلبي إلى الفعل الإيجابي، وتكسر لحظة هاربة من التاريخ لا قدراً محتوماً فيه.

د. خلف المفتاح – إضاءات

آخر الأخبار
دمج الأطفال بأنشطة حسية ولغوية مشتركة تعزز ثقتهم بأنفسهم     إغلاق مصفاة حمص وتحويل الموقع لمستشفيات ومدارس        لبنان في مرمى العزلة الكاملة.. "حزب الله" يسعى وراء مغامرة وسوريا ستتأثر بالأزمة    وزير الطاقة: تخفيض أسعار المشتقات النفطية لتخفيف الأعباء وتوازن الاستهلاك     الرئيس الشرع: الإدارة الأميركية تتفق مع هذه الرؤية   "مجلس الشيوخ" الأميركي يقرّ اتفاقاً لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد  درعا تعيد صوت الجرس إلى ثلاث مدارس   أميركا تخطط لبناء قاعدة عسكرية ضخمة قرب غزة بقيمة 500 مليون دولار  وسط صمت دولي.. إسرائيل تواصل انتهاكاتها داخل الأراضي السورية بهذه الطريقة  تعاون مرتقب بين "صناعة دمشق" ومنظمة المعونة الفنلندية  "التربية والتعليم" تعزز حضورها الميداني باجتماع موسع في إدلب 80 فناناً وفنانة في مبادرة "السلم الأهلي لأجل وطن"  خسائر بأكثر من سبعة ملايين دولار بسبب فساد في القطاع العام     ترامب يحذر الشرع من إسرائيل:  هل بقيت العقبة الوحيدة أمام سوريا؟   تنفيذ طرق في ريف حلب ب 7 مليارات ليرة  الكهرباء تكتب فصلاً جديداً في ريف دمشق.. واقع يتحسن وآمال تكبر السكك الحديدية السورية.. شريان التنمية في مرحلة الإعمار  بمشاركة سوريّة.. الملك سلمان يتحدث في مؤتمر "من مكة إلى العالم" جودة الخبز ورفع الجاهزية على طاولة التجارة الداخلية  "مهرجان تسوّق حلب".. عودة الألق لسوق الإنتاج الصناعي والزراعي