الكثير من الرسائل بدأت واشنطن تقرؤها، هي وصلت إلى مسامعها لحظة إعلانها من قبل الدولة السورية ومعها محور المقاومة، ولكن ربما لم تكترث لمضامينها ومفاعيلها في البداية، على اعتبار أن باستطاعتها أن تفعل ما تشاء ويحلو لها، هي – أي واشنطن- وضعت قواعد جديدة، وأعدت خططا بديلة، وآليات تنفيذ لإعادة إحياء مشروعها المتهاوي في المنطقة، ولكنها بدأت تتلمس صعوبة وربما استحالة التنفيذ، حيث الارتدادات السلبية لـ”قيصرها” الإرهابي بأبعاده السياسية باتت موضع دراسة وتمحيص، لما قد يجره من عواقب وخيمة يعرض كل مصالحها للخطر، ويدفع المنطقة إلى الانفجار الأكبر، وتصيب شظاياه كل أدوات مشروعها الإقليمية والدولية أيضاً.
الدول الحليفة لسورية، والتي تساندها وتشاركها في حربها ضد الإرهاب، مستهدفة بـ”قيصر” كما هي سورية، وأحد غايات هذا الإجراء العدواني دفع الدول الحليفة للابتعاد أو التخلي عن دعمها للشعب السوري، ولكن النتيجة جاءت معاكسة تماماً، حيث التعاون بين أطراف هذا الحلف المقاوم يزداد رسوخاً، وقريباً ربما نشهد انتقالاً سريعاً لمصلحة هذا المحور المقاوم، فهو لن يقف طويلاً مكتوف الأيدي، خاصة وأنه يمتلك الكثير من خيارات الرد ميدانياً وسياسياً، والتأكيد على مواصلة الحرب ضد الإرهاب هو رد ناجع، لأنه لا يقتصر على اجتثاث أدوات أميركا والكيان الإسرائيلي من مرتزقة وإرهابيين فقط، وإنما يشمل كل قوة غازية ومحتلة، وعليه فإن قواعد الاحتلال الأميركي، ليس في سورية وحسب وإنما في المنطقة كلها لن تكون في مأمن، لاسيما وأن المقاومة الشعبية بدأت تأخذ منحاً تصاعدياً في هذا الاتجاه، وتعزز كل قدراتها لتحقيق هدف إخراج قوات الاحتلال الأميركي من كل المنطقة.
أميركا وصلت اليوم إلى مرحلة من العجز واليأس لجهة تنفيذ مشروعها في المنطقة، وهذا ما عكسه ” قيصرها” الإرهابي الذي من أحد أهدافه تمرير “صفقة القرن”، لما يشكله من أداة ضغط وابتزاز لدفع سورية للقبول بالشروط والمطالب الأميركية، وهي أساساً شروط إسرائيلية تزامنت مع قرب إعلان حكومة العدو الصهيوني ضم أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن خلال اليومين القادمين، ولكن الانقسامات الحاصلة داخل الإدارة الأميركية، والكيان الصهيوني نفسه حيال الإقدام على هذه المقامرة أو تأجيلها، تشير بكل وضوح إلى أن أصحاب المشروع الصهيو-أميركي بدؤوا يتحسسون مخاطر الإقدام على مثل هذه الخطوة، في ظل الرفض السوري المطلق للمطالب الأميركية، وما يعنيه ذلك من استمرار دعمها للقضية الفلسطينية رغم كل الظروف التي تعيشها نتيجة الحرب الإرهابية التي تشن ضدها، وكذلك فإن الرسائل الجدية التي وجهها محور المقاومة رداً على حرب التجويع التي تشنها إدارة ترامب بهدف تمرير المخطط الصهيوني، لا شك أنها أثارت الرعب في نفوس القائمين على هذا المشروع، حيث كل المعطيات تشير إلى إمكانية اندلاع انتفاضة شاملة في فلسطين المحتلة بدعم كامل من كل محور المقاومة، ولن تقف عند حدود التعبير عن الغضب والاحتجاج، وإنما استخدام كل الوسائل المشروعة لدحر الاحتلال.
التصعيد الأميركي ضد سورية وشعوب المنطقة، والاستثمار الصهيوني للوقت المتبقي لإدارة ترامب باعتبار وجوده فرصة نادرة لتحقيق المشروع الصهيوني مرجح لأن يقود المنطقة إلى مرحلة مواجهة جديدة، أعد لها محور المقاومة الخطط والآليات الرادعة، والكيان الصهيوني سيكون الخاسر الأكبر، وإدارة ترامب التي باتت تعي أكثر مدى الأخطار التي تنتظر بقايا مشروعها دخلت الآن في مرحلة إعادة الحسابات من جديد، بدليل ترددها الواضح في منح نتنياهو الضوء الأخضر لإعلان خطوة الضم المقررة بعد يومين، وكلام وزير الحرب الصهيوني بيني غانتس لمسؤولين أميركيين بأن هذا الموعد “ليس مقدسا” ويمكن تأجيله يعكس الخشية الصهيونية والأميركية معاً من الارتدادات الخطيرة لخطوة الضم على المشروع الصهيو-أميركي برمته، وهذا من مفاعيل الصمود السوري، ورسائل المحور المقاوم.
نبض الحدث – بقلم أمين التحرير ناصر منذر