في واحدة من مقالاته التي تحدث فيها الفيلسوف والناقد السينمائي أمبرتو إيكو عن تجربة ارتداء الجينز يذكر: «أدركت أن مشيتي، واستدارتي، وقعودي، ووتيرة تسارع خطاي كانت مختلفة… ونتيجة لذلك عشت مدركاً أنني أرتدي جينزاً، بينما المعتاد أن نعيش غير مدركين أننا نرتدي ملابس داخلية أو سراويل».
وكأنما أراد أن يقول: إننا نتبنى سلوكاً محدداً ومغايراً وفقاً لما نرتديه.. ويزيد على ذلك باعترافه أن الجينز أجبره أن يعيش للخارج.. «وقلّل، بكلمات أخرى من جوانيتي»، حسب تعبيره.. وهو ما يؤثر في التعبير عن الأفكار، كما استنتج إيكو في نهاية مقاله.
هل يؤثر ما نرتديه بطريقة سلوكنا وبأسلوب طرح أفكارنا إلى هذا الحدّ؟
ألا يمكن أن يتعدّى تأثيرها وصولاً إلى طبيعة تلك الأفكار؟
وبالتالي ما نرتديه ظاهرياً يؤثّر في ما نخفيه ذهنياً أو فكرياً..
ثمة الكثير من الأفكار التي تحدث عنها صاحب “اسم الوردة” لمجرد أن نكون بدّلنا طريقة ارتداء ثيابنا.. كيف الحال فيما لو كنا مكبّلين إلى أشياء معدنية تلتصق بأجسادنا لغاية المساعدة على المشي.. تصبح كقطعة ثياب لا نستطيع الاستغناء عنها..
للحقيقة هي ضرورية أكثر من قطعة ثياب لأنها تنوب مكان أحد أعضاء الجسد..
هكذا يصبح العكازان، أو أجهزة المشي المعدنية، أو حتى الكرسي الكهربائي، بمثابة قطعة من جسدنا.. صديقة.. وقريبة.. وحميمة.. لدرجة نتناسى معها برودة معدنها.
في إحدى المرات فكرت: هل يمكن لتلك القطع المعدنية التي وعيت على وجودها بحياتي، أن تمنحني صلابتها لأصبح مثلها تماماً يصعب تهشيمي أو كسري؟.. لكن خشيت أن تتسرب تلك الصلابة إلى قلبي فأُصبح بقلبٍ معدني عصي على الإحساس والشعور بالآخر.
كل ما يدور في ذهني أننا قطبا مغناطيس (سالب وموجب) يتجاذبان دون أي نوعٍ من التماهي.. فأقاوم برودتها، بينما تلين هي بدفء آدميتي.
نتكامل وكأنها بشريٌ عرف مكامن ضعف الجسد فواراها وحاول إصلاحها.
لكن إلى متى يمكن لذلك المعدن أن ينتشل الجسد من خياناته؟
وفيما ذكر نيتشه “اعشق قدرك الشخصي” أعتقد أنه علينا أن نعشق ما نحن عليه بمعنى ما وجدنا أنفسنا عليه.. أن تعشق اختلافك كسمةٍ فريدةٍ ومميزةٍ تجعلك ببصمةٍ خاصة حتى إن لم يبصرها سواك.
رؤية – لميس علي