ثورة أون لاين – هفاف ميهوب:
يقول الفيلسوف الألماني “نيتشه”: “إنني أستعرض جميع ما كُتب، فلا تميل نفسي إلا لما كتبه الإنسان بقطرات دمه”..
مقولة تجعلنا نشعر، بمقدار بلاغة ما كتبه المقاتلُ السوري بالدم، دفاعاً عن وطنه وحقه، فمثلما لم تتوقف الأقلام عن تدوين مآسي وويلات الشعوب، لم يتوقف هذا المقاتل عن جعل قطرات دمه، تكتب حكايا النزيف في وطنه، على مدى استهدافه من قبل الأعداء وصنّاع الحروب.
إنها الحرب اللعينة، التي “لا تستعر نيرانها في أجواف المدافع فقط، بل وفي قلوب الناس وأفكارهم أيضاً” وهو ماوصفها به المفكر اللبناني “ميخائيل نعيمة”.
الحرب التي تفرز اللصوص والمجرمين، أو الرجال الحقيقيين، حسب شيخ الشهداء. القائد العربي “عمر المختار” الذي أعدم فكانت كلماته، رسالة لكلِّ الشرفاء: “عندما يقاتل المرء لكي يغتصب وينهب، قد يتوقف عن القتال إذا امتلأت جعبته، ولكنه حين يحارب من أجل وطنه، يمضي في حربه إلى النهاية”.
نعم.. إنها الحرب التي لم يتوقف أبالسة الشرّ والقتل والدمار في العالم، عن إيقادها وإحراق الشعوب بويلها، والتي عجز كلّ العقلاء والحكماء، وكل الداعين إلى الوئام والسلام، عن منعها أو التصدي لجنونها..
أيضاً، التي بإمكان من يقودها، أن يكون الأقدر على وصفها بدقة أكبر. تماماً، كما فعل “نابليون بونابرت” الذي اعتبرها: “الحرب همجية منظمة مهما حاولت التنكر”.
هي مدرسةٌ للخوف والقسوة والألم، وللجراح والرحيل إلى العدم.. ذاكرة نازفة، وحياة تالفة.. شبحٌ لا حقَّ أو كرامة لديه، ولاعدل أو إنسانية تعتريه..
بالتأكيد هي مدرسة، ودروسها جداً شرسة.. الهدفُ منها غير إنساني، وهو كما أشار “جورج أورويل” الكاتب الإنكليزي:
“الهدف من وراء كل حرب، أن تصبح الدول في وضعية أفضل لشن حرب أخرى”..
إنه ماتفعله الدول التي تشن الحرب لمجرد نهمها للسيطرة والاحتلال ونهب الخيرات والأموال. الدول التي يأمر قوادها، بالانقضاض على أيّ دولة تقاومهم أو تواجه شرورهم أو تمنعهم من احتلال أرضها.. يُكثرون من الدعاية لقوتهم وهدفهم، بثِّ الرعب لدى الخصوم ومعرفة ما يضمرون، وهو ما يؤكده “أورويل” أيضاً، ولدى إشارته إلى أن “دعاية الحرب والصراخ والكذب والكراهية، تصدر عمن لا يحاربون”.
حتماً هي شيء بشع.. بشع جداً، لكنها “ليست أبشع الأشياء، فالشعور الأخلاقي والوطني الفاسد والمهين، بأن لا شيء يستحق القتال من أجله هو أسوأ بكثير”.
قال هذا، الفيلسوف البريطاني “جون ستيوارت ميل” وقاله كثيرون جداً من المناهضين للحرب، وسواء أناسا عاديين أو أدباء ومبدعين.
نقولها أيضاً ونوافق على قول المفكر الفرنسي “فولتير”: “ما أظلم الإنسان، إنه يجد دائماً مالاً لتعبئة الجيوش وإرسالها إلى الحرب لتقتل الناس، ويضنُّ بالمال لإنقاذ الناس من الموت”.
باختصار.. كل أقوال وأشعار وحكايا المبدعين في العالم، لا تعادل قطرة دمٍّ كتب بها مقاتل سوري، ما كتبه “أحمد حبيب خضور” واصفاً مشاعر صديقه – جريح الحرب الذي يتألم:
“استقبَلني باسماً كالنصر…. وقال:
“ما من أعضاء زائدة في أجسادنا كي نشكر من تسبب بخسارتنا إياها، بل الشكر لأرض قبلتْ من بعض أجسادنا قرباناً لعينيها. قبلتْ صيامنا باقي العمر عن المشي على دروبها، وبين أفنانها وتحت أفيائها.
قلتُ له دون أن أجرؤ على النظر إلى عينيه:
هل لكم أيها الصادقون أن تقبلوا المشي فوق قلوبنا، وبين عيوننا، ولو قليلاً؟.. هل تقبلوا أن تتربعوا على عرش الرجولة بيننا، فنقتدي بكم ونتعلم منكم كيف نحب بصدق، ودون انتظار ولو حتى كلمة شكر.. علمونا أيها الأحباء كيف نتواضع ونتأدب ونصدق، ولو قليلاً”..