ثورة أون لاين_ رشا سلوم:
شكلت السينما نقلة نوعية في تاريخ فنون العالم، وهي الأكثر حضوراً ربما إلى زمن قريب، تنوّعت مدارسها ومدارس مخرجيها، كتاب عن وحول السينما التجريبية، صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وهو من ترجمة صلاح سرميني، يرى المؤلف أنه إذا ما كان هناك ناقد عربي واحد يستطيع أن يتحدث بسعة وثراء عن السينما التجريبية فهو صلاح سرميني، هذا لكونه ملمّاً في الأساس بموضوعه ولا يتطرق إليه لمجرد رغبته في وضع كتاب أو دراسة عنه، والإلمام واكبه الاهتمام الفعلي ومشاهدة الأفلام وتطويع العين على تحليلها تبعاً لكل ما اختزن من معرفة لديه، إذ إن هذا الكتاب هو أكثر من مجرد نصوص ودراسات مختارة، هو فعل دراسة يتجاوز فيه الباحث دوره كمترجم إلى دوره منقّحاً فعلياً لأدوات العمل.
المعنى هنا هو أن البعض قد يترجم رواية أو كتاباً غير روائي أو دراسة قد لا تهمه مقتضياتها وموضوعاتها كثيراً وتكون ترجمته جيدة، لكن ما هو أجود أن يكون الاهتمام السابق والمواكب من التفاعل مع المادة المتوافرة بحيث يعرف المترجم عملياً وفعلياً عما يتحدث عنه أصحاب النصوص.
عبر هذه المتابعة واختياراته من النصوص يكشف لمن يريد عن التاريخ الجليّ للسينما التجريبية والتعريف الصادق لنوع محيّر في تصنيفه حتى بالنسبة إلى كثير من النقّاد حول العالم.
يختار سرميني من الكتابات ما يكشف عن مواطن المحاولات الأولى واللاحقة منتقلاً ما بين التجارب الفرنسية والأميركية وسواها وموضحاً ما تعنيه الكلمة تحديداً، وكيف لجأت الأفلام التجريبية إلى الاختلاف طوعاً ورغبة في توسيع مفردات السينما والصورة.
وفي دراسة له عنها يقول صلاح سرميني :
بدأت السينما نفسها عن طريق التجارب التقنيَّة، وتطورّت في أنواعٍ متعددة، ومختلفة: روائيَّة، تسجيليَّة، وتحريك، وما كان لها أنْ تستمرّ من دون تجدد، وتجديد مفرداتها الجماليَّة.
ومنذ العشرينيّات، بدأ سينمائيون، وشعراء، ورسامون، وكتّاب بالاهتمام بأفلام مختلفة تبتعد عن الحكاية، والتسجيل، وحتى عن نمطيّ الإنتاج والتوزيع المُتعارف عليهما في السينما التقليديَّة (السائدة/ أو الجماهيريَّة)، ومن هنا بدأ الحديث عن سينما طليعيَّة، مختلفة، شخصية، إلخ… إلى أنْ استقرّت الحال عند اختيار “التجريبيَّة” كتصنيفٍ لكلّ الأفلام التي لا علاقة لها بالسينما الحكائيَّة، وتنشغل أكثر بالشكل، والعمل على الصورة، والصوت، والبحث في كلّ تفاصيل السينما، والفيلم، وما يرتبط بهما.
منذ بداياتها، وحتى اليوم، لم تتوقف السينما عن تجديد نفسها، والتأثير في كلّ أنواع الأفلام بما فيها الأغنيات المُصوّرة (الفيديو كليب)، والأفلام الإعلانيَّة، ووصل تأثيرها إلى التلفزيون الذي كانت في خصومةٍ معه، ومنذ ذلك الوقت، ظهرت حركات فنيَّة عامّة شملت السينما فيها، مثل المُستقبليَّة، الدادائيَّة، والسورياليَّة..
بالتوازي، وفي إطار تجديد نفسها، كانت السينما السائدة تُنتج موجاتها وحركاتها، مثل الموجة الفرنسيَّة الجديدة، والواقعيَّة الإيطاليَّة، أيّ كانت، ولا تزال تسلك دروباً متقاطعة في ما بينها، كلّ واحد يتأثر، ويؤثر بالآخر، ومن دون هذه الحركات والاتجاهات، ومنها “السينما التجريبيَّة”، لما وصلت السينما إلى ما هي عليه الآن، ورُبما بقيت حبيسة ما كانت عليه منذ الأخوين لوميير، وجورج ميلييس، وكلّ مخترعي وصانعي أفلام تلك الفترة.