ثورة أون لاين – حسين صقر:
لكون معظم الناس اعتادوا على النظر للأمور من زاوية واحدة، فقد ضاق لدى هذا البعض الأفق وتأطّرت الإمكانات، ولاسيما أن أولئك يطلقون أحكامهم العرفية على الأشخاص والمواقف دون دراية أو دراسة ولا حتى تأنٍّ.
ولهذه الأسباب أصبحت الصورة لدى من نتحدث عنهم نمطيّة لا تقبل التغيير الذي قبلوه طوال حياتهم، ما انعكس سلباً على عطائهم وعلاقاتهم، لدرجة أنهم يرفضون وجود الشخص بغير المكان الذي اعتادوا رؤيته فيه، وهذا ينطبق على الرجل والمرأة.
فبالنسبة للمرأة اعتاد المجتمع أن يراها في الأعمال الإدارية وغير المجهدة، وإذا حصل ورآها تعمل في مكان آخر يستهجن الأمر، وهذا الأمر يقلل من قدراتها، ليندرج ذلك على بعض المناصب أو المفاصل والدوائر التي تتطلب طبيعة العمل المناوبات والعمل المسائي، حتى أضحى البعض منهن بسبب سوء التقدير واتخاذ القرار المناسب عالة على بعض الأماكن، ليس بسبب عجزها أو كفاءتها أو ضعفها، إنما بسبب المحيطين فيها، والموضوع يطول في هذا المجال، وينطبق ذلك على المرأة عندما نراها تقود سيارة أجرة أو ترتدي بزّة عسكرية، أو تمارس عملاً كان حكراً لفترات طويلة على الرجال.
أما بالنسبة للرجل أيضاً، فمن اعتاد عليه الناس في مجال معين، يصعب عليهم رؤيته في الآخر.
بالإضافة لذلك عندما يرى الناس الرجل المتعلّم والموظف بذات الوقت يتابع أعماله الزراعية نستهجن ذلك، أو المنزلية كإصلاح بعض الأعطال، وتنهال عليه الأسئلة من أين لك لتتدخل في هذا وذاك.
يجب علينا جميعاً كسر الصورة النمطيّة والروتين وما اعتدنا عليه، حيث ذلك مسؤولية جماعية ومجتمعية، خاصة وأن كسر الروتين وتغيير النظرة المجتمعية يبدو اليوم أصعب بكثير من تحطيم صخرة صلدة.
ويقول المدرس علي قدور: نظراً للظروف المادية الصعبة والمتطلبات المعيشية التي لا ترحم اضطر للعمل كمعلم صحية بعد دوامي وأحياناً أعمل دهّاناً في البيوت وغيرها، وعندما يراني البعض يبدأ التعليق والمزاح، ويستهجن عملي في هذين العملين، ويكون ذلك التعليق حسب اختصاصي كمدرس، لأن عملي الأساسي هو تدريس مادة الجغرافيا، حيث يقول لي هؤلاء إياك من إكثار الخرائط وأنت تلوّن المنازل، أو تنسى وضع صنبور لأنبوب المازوت القادم من حقل النفط الفلاني، لكنني أتقبل ذلك بصدر رحب.
على حين أكدت السيدة علا محي الدين أنه بعد استشهاد زوجها، ترك لها أربعة أولاد صغار، وهؤلاء يحتاجون الكثير كي يكبروا ويتعلموا، وهو ما اضطرني للعمل على التكسي العمومي الذي نمتلكه، حيث أردت توفير إجرة السائق التي كنا ندفعها لجيبي وفضّلت العمل على السيارة، وهو ما أثار استغراب واستهجان الآخرين، لكنني مضيت في العمل وتركت كلام الجميع خلفي.
المهندس محمد رزق الله أكد أيضاً أنه يتابع عمله الزراعي في القرية بنفسه، رغم تقلّده منصباً جيداً في أحد الدوائر الحكومية، حيث يسأله الآخرون لماذا لا يستأجر عمالاً للعمل، ويكتفي بالإشراف عليهم، ولاسيما أنه مهندس، فيقول إن العمل بمثابة الرياضة للجسم، لكون يخرج الطاقة السلبية منه، فضلاً عن أن عمله لا أحد يستطيع القيام به كما يؤديه هو.
سراب الأمير قالت: أنا كمدرسة أتابع عملي في مشغل الخياطة الصغير الذي أملكه، وبهذا يمكنني مساعدة زوجي في مصروف المنزل، على حين أكدت ميرفت محمود رغبتها التطوّع في سلك الشرطة، وحبّها لارتداء البزة العسكرية منذ صغرها، وعملت جاهدة لتحقيق هذا الطموح.
هذا ويندرج ذلك على بعض الأعمال داخل المؤسسات، فما يقوم به الشخص ويؤدّيه من عمل ليس حكراً عليه، وعمله في مكان آخر يكسبه الكثير من الخبرات.