ثورة أون لاين – ترجمة ليندا سكوتي:
في الرابع عشر من الشهر الحالي كانت الذكرى السنوية الخامسة للتوقيع على اتفاقية خطة العمل الشامل المشتركة أو ما أطلق عليها تسمية “الاتفاق النووي الإيراني”. ويبدو أن تلك الذكرى قد مرت في ظل ظروف سادتها الكآبة والسوداوية. ومن الآن فصاعداً، ينبغي على المؤرخين عند الحديث عما حصل في هذه الحقبة ملاحظة اقتران بوادر نهاية تلك الاتفاقية مع بداية تراجع التعددية والضربة القاصمة التي تلقتها السياسة الخارجية الأوروبية.
استطاع الاتحاد الأوروبي من خلال الاتفاق النووي إنجاز ما كان يظنه أمراً محالاً بالنسبة لاتحاد يشكك كثيرون -حتى داخل المعسكر الأوروبي- بمصداقيته كممثل للسياسة الخارجية. وفي هذا السياق يعد الاتفاق النووي حدثاً بارزاً للتعددية عموماً، وشكل أيضاً من وجهة نظر أوروبية نقطة تحول في دبلوماسية عدم الانتشار ولا سيما في ظل قيادة الاتحاد الأوروبي. وفي 14 تموز عام 2015 استحق الاتحاد الأوروبي الثناء لاجتيازه طريقاً وعراً خلال المفاوضات. وفي مختلف الأحوال، كان إبرام الاتفاق بداية لمهمة شاقة أخرى تتمثل بالتنفيذ الناجح فضلاً عن أداء الأوروبيين لأدوار المنسقين والمشاركين على حد سواء.
تتعادل أهمية الحفاظ على الاتفاقية بالنسبة لأوروبا مع أهمية إعلاء قيم سياستها الخارجية الأساسية على النحو المنصوص عنه في معاهداتها التأسيسية وما هو متفق عليه أيضاً في استراتيجيات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالأمن وعدم الانتشار. ومع مرور الذكرى الخامسة لخطة العمل الشاملة المشتركة، التي ربما ستكون الذكرى الأخيرة، فقد حان الوقت لمراجعة أسلوب أداء أوروبا لأدوارها في الاتفاقية النووية والطريقة التي ستتعاطى بها مع هذه المسألة في حال اتبعت المسار الحالي.
تاريخياً، تمثل الروابط عبر الأطلسي عاملاً أساسياً في السياسات الأوروبية. ففي العقد الأول من القرن الحالي، نجم خلاف نتيجة تشكيل ائتلاف “الراغبين” بالحرب على العراق والشرخ بين أوروبا والولايات المتحدة بشأن تلك الحرب، ما خلق انقساماً غير مسبوق بين طرفي الأطلسي. وبناء على هذه الخلفية سعى الأوروبيون لتنصيب أنفسهم في مقعد القيادة للمفاوضات التي بدأت في عام 2003 بغية إيجاد حل تفاوضي ومتعدد الأطراف لما يسمى بالأزمة النووية الإيرانية.
كتب أحد السياسيين الأوروبيين أنه عبر المفاوضات النووية “سعى الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز المصالح الأمنية المشتركة كسبيل لتأكيد نفسه لاعباً رئيساً في السياسة الخارجية ولترسيخ الثالوث الفرنسي-الألماني-البريطاني، الذي ضعفت روابطه إثر الخلافات الناجمة عن حرب العراق عام 2003.” لذلك كان التنسيق عبر الأطلسي أمراً في غاية الأهمية بالنسبة للدبلوماسية النووية الأوروبية مع إيران.
علاوة على ذلك، كدول عريقة على الساحة الدولية، كان لدى الدول الأوروبية الثلاث الكبرى مجال واسع لاستعادة مصداقيتها. بالإضافة إلى ذلك، فقد عززت تلك المفاوضات على نحو ملحوظ الاتحاد الأوروبي الذي بذل مساعيه ليأخذ دوره كبطل في النظام الدولي القائم على قواعد الأمم المتحدة وبما ينسجم مع القيم الأوروبية وضمن حدود المبادئ الأوروبية. لكن السؤال الذي ينبغي طرحه هو ما الذي يستطيعون تحقيقه دون الولايات المتحدة؟
في فترة ما بعد الانسحاب، شكل اجتماع اللجنة المشتركة المنعقد في 6 تموز عام 2018 حدثاً بارزاً لكونه نقطة انعطاف في اتخاذ كافة الإجراءات الممكنة بنية صادقة لحل هذه القضية على أعلى مستوى للدبلوماسية. وجاء تصريح رئيس الاجتماع عقب هذا الحدث واضحاً تماماً. فقد بذل الاتحاد الأوروبي جهداً بعد الانسحاب الأميركي بغية الحفاظ على المزايا الاقتصادية لخطة العمل الشاملة المشتركة التي تشمل تحديث قانون الحظر، وتمديد تفويض بنك الاستثمار الأوروبي للإقراض، وأخيراً، التوصل إلى آلية دعم التبادل التجاري مع إيران.
لكن أوجه القصور في هذه التدابير تشير إلى خلل بالغ داخل الاتحاد الأوربي إذ أنه لم ينأَ بنفسه عن الدعم الذي دأب على تلقيه من الولايات المتحدة في سياق الحرب الباردة، وبذلك فإن ثقافة الرضا عن هذا الوضع تسللت إلى نسيج الحكم السياسي في أوروبا، ونخرت بشكل مباشر أي فكرة للاستقلال، ما جعل طموحاته بالسيادة والاستقلالية الجيوسياسية فارغة من مضمونها.
في ضوء الظروف الراهنة، سيحدد أسلوب تصرف أوروبا حيال الاتفاقية النووية الشاملة المشتركة مصير مساعيها لتكامل السياسة الخارجية في السنوات المقبلة وسيحدد أيضاً بصورة قطعية نوع الدور الذي يمكن أن تؤديه على الساحة الدولية.
في الواقع، يعد التوصل إلى الاتفاق النووي إنجازاً فريداً بالنسبة للتعددية ويمثل حدثاً مهماً في تسوية النزاعات بالطرق الدبلوماسية والسلمية. ولذلك يشكل أسلوب تعاطي الاتحاد الأوروبي مع التنمر الأميركي (الذي ينوي إجهاض اتفاقية العمل الشاملة المشتركة وإثبات أن أوروبا لا قيمة لها دون أميركا) معياراً يعطي الدليل على مدى استقلالية السياسة الخارجية الأوروبية ودورها المستقبلي في الحفاظ على التعددية والأمن الدولي.
نافلة القول، يجب ألا ننسى أن الولايات المتحدة مسؤولة عن الوضع الراهن الذي أدى إلى توقف تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة. إذ إن إيران قد تحلت بالصبر منذ أكثر من عام على أمل العمل في إطار الاتفاق النووي لإيجاد حل ملائم، وبخاصة أن ممارسة الضغوط غير الشرعية عليها لن يجدي نفعاً. بالإضافة إلى ذلك فإن اتباع إجراءات أخرى لتجاوز الاتفاقية ليس له من جدوى. وفي هذا السياق أفصحت إيران عن ضرورة إنقاذ الاتفاق النووي على نحو واضح. ولم يبق سوى الإنصات لصوت العقل، والحفاظ على التعددية مع الوقوف في وجه التنمر.
المصدر Iran Dail