ثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
قالت إدارة ترامب ووسائل الإعلام الأمريكية مرةً أخرى وبوضوح تام بأن “الصين هي المشكلة”، حيث أطلقت أمريكا في الأسابيع الأخيرة عدداً لا يحصى من الأكاذيب الملفّقة عن الصين بدءاُ بالاعتقال الخيالي للإيغور في “معسكرات الاعتقال” وانتهاء بآخر الاتهامات بأن الصين هي التي تسببت عمداً بانتشار كوفيد- 19 في العالم.
وقد اعتبرت الأكاذيب التي أدلى بها وزير الخارجية مايك بومبيو وكلماته في وسائل الإعلام بمثابة تبرير للإدارة للأمريكية للقيام بتصعيد الأعمال العدائية العسكرية الأمريكية في بحر الصين الجنوبي بالإضافة إلى مجموعة من السياسات المحلية التي تستهدف الطلاب الصينيين الذين يدرسون في الخارج ووسائل الإعلام الصينية.
ولا شك أن الأعمال العدائية المتزايدة تجاه الصين تعبّر عن تسارع الانهيار الاقتصادي العالمي الذي مهّد له إلى حد كبير التدهور في الاقتصاد الرأسمالي الأمريكي.
وقد ظهرت الأزمة الاقتصادية لأول مرة من الفراغ حيث راهنت وول ستريت على انتشار الوباء في مراحله المبكرة، وفي الوقت الذي أصبح واضحاً فيه أن كوفيد-19 يتطلب استجابة حكومية ضخمة من أجل احتوائه عندها انفجرت الفقاعة المالية للولايات المتحدة.
وبدا من الواضح أن التحفيز الهائل للاحتياطي الفيدرالي هو فقط الذي يمكنه أن يحمي أرباحه الهائلة وسط أوامر الإغلاق الجزئي التي تركت ملايين العمال عاطلين عن العمل في محاولة عشوائية لمنع الفيروس من الانتشار. لقد سهّل قانون CARES الذي تم تمريره في آذار 2020 واحدة من أكبر تحويلات الثروة في تاريخ الرأسمالية، حيث تدفقت تريليونات الدولارات الأمريكية على خزائن الشركات للحفاظ على التمويل ورأس المال الاحتكاري.
ولكن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن وجود الرأسمالية مرتبط باستغلال العمال، فالعامل هو مصدر كل الأرباح في ظل النظام الرأسمالي.
وقد بدأ الانهيار الاقتصادي بشكل أساسي بسبب تقدّم ثلاثين مليون عامل أمريكي بطلبات للبطالة منذ أن تم فرض عمليات الإغلاق الجزئي في المدن في جميع أنحاء البلاد. ففي مدينة نيويورك على سبيل المثال، يعاني مليونا شخص من إجمالي تسعة ملايين من السكان من انعدام الأمن الغذائي.
إن الحوافز التي تمّ إرسالها إلى أكبر البنوك والشركات لم تحلّ أزمة الرأسمالية الناتجة عن نقص الاستهلاك الطويل الأمد، بل بالعكس فقد أدّت إلى المزيد من المعاناة. فالرأسمالية تنتج طبقة عاملة فقيرة وقد ساهمت جائحة كوفيد-19 في تسريع هذه العملية.
كما أدّت الخسائر الكبيرة في الأرواح في الولايات المتحدة بسبب انتشار الوباء إضافةً إلى الكساد الاقتصادي إلى ظهور أزمة سياسية كبيرة لا يمكن حتّى للعداء الأمريكي مع الصين أن يخفيها. فمنذ بدء انتشار الوباء لم يعد بإمكان ترامب الحديث عن “جعل أمريكا عظيمة” من خلال كشفه عن المؤشرات الاقتصادية المضلّلة، علاوة على ذلك فقد كشف انتشار جائحة كوفيد-19 والانتفاضة ضد الشرطة العنصرية في الولايات المتحدة عن مستوى هائل من السخط الشعبي وهذا طبعاً يصب في صالح جو بايدن، المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية وخصم ترامب اللدود.
إذاً، الولايات المتحدة غارقة في أزمة حقيقية وترامب محاصر في بوتقة الاتهامات وإلقاء اللّوم على الآخرين. وأرقام استطلاع ترامب مهما كانت قيمتها ضد بايدن أقل من مذهلة. فدونالد ترامب أصبح هو السبب في تمزّق الحزب الجمهوري الذي شجّع على تشكيل مشروع لينكولن، وهي منظمة غير ربحية مناهضة لترامب يقودها استراتيجيون جمهوريون ملتزمون يعملون على تقليل الفرص لإعادة انتخاب ترامب. ومع ذلك فإن مشروع لينكولن لا يقدم أي مؤشرات لحلول يمكن لها أن تعالج الأزمة الاقتصادية التي تواجه الطبقة العاملة.
لقد كرر بايدن مراراً وتكراراً أنه يعارض السياسات التي ستوفر راحة طويلة الأجل للعمال الذين يعيشون في فترة من الكساد الرأسمالي. وبهذه الطريقة فهو يتشارك بالكثير مع ترامب. فبايدن يعارض أيضاً نظام الرعاية الصحية للجميع ودفع حوافز منتظمة للعمال لتخفيف آلام البطالة والعمالة الناقصة. إن حملة بايدن تهدف بشكل أساسي إلى عودة الولايات المتحدة إلى ما كانت عليه قبل تولي ترامب منصبه. إن مثل هذه العودة إلى “الوضع الطبيعي” هي ضمانة بأن العمال الذين يعيشون في “الوضع الطبيعي الجديد” للكساد العظيم الناجم عن الوباء سيواصلون التعرض للتقشف.
إن عدم وجود حل سياسي للأزمة الاقتصادية الأمريكية يكمن في أنّ كلا من الحزبين السياسيين يوضّح بشكل كبير كيف أن النظام الرأسمالي غير قادر ببساطة على تقديم أي شيء جوهري للطبقة العاملة أو حتى خلق نوع من الاستقرار الضروري للنمو الاقتصادي. فالطبقة السائدة في الولايات المتحدة تعتمد بشكل كامل على تقديم كبش الفداء للحفاظ على الهيمنة الاقتصادية والسياسية، والتي تتماشى مع وجودها المستمر منذ قرون كنظام استعماري عنصري مستوطن.
ففي عام 2020، كانت الصين هي كبش الفداء الرئيسية كم
ا حزب اليسار. وكانت السياسة المعادية للصين واحدة من العناصر الأساسية لسياسة ترامب العنصرية منذ دخوله انتخابات 2016 لأول مرة. كما هاجم ترامب في خطابه الذي ألقاه يوم 4 تموز في جبل رشمور، مباشرة اليسار بطريقة “القانون والنظام” التي تمّ اتباعها في عهد نيكسون. إذ إنّ هناك مجموعة من الليبراليين الذين يعتقدون أن نهج “القانون والنظام” للانتفاضة ضد وحشية الشرطة في الولايات المتحدة إلى جانب أزمة الوباء سيؤدي بإدارة ترامب إلى إلغاء الانتخابات.
علاوة على ذلك، فإن المخاوف بشأن مستقبل انتخابات 2020 لن تفعل شيئاً لمساعدة الطبقة العاملة في التخلص من أغلال الأزمة الرأسمالية، فالرعاية الصحية الشاملة، والإسكان ، والأجور المعيشية، والاندفاع الهائل للاحتجاج ضد الأجهزة العسكرية والشرطية والعنصرية القاتلة هي الإصلاحات الفورية الوحيدة التي يمكن أن تضمن مستقبل الطبقة العاملة في الداخل والخارج.
قد تكون نتيجة انتخابات 2020 غير مؤكدة، ولكن من الواضح تماماً أنه سيتم الحفاظ على مصالح الطبقة الرأسمالية طوال فترة الكساد العظيم الناجم عن الوباء بأي ثمن.
لا يمكن لأي قدر من الأزمة الاقتصادية أو الاحتجاج الجماعي ضد الشرطة أن يحفّز على استقرار الرأسمالية. إن البطالة الجماعية والفقر هي القاعدة، وكذلك حاجة الطبقة الحاكمة إلى إلقاء اللّوم على الصين واليسار في عدد لا يحصى من المشاكل والأزمات التي تصيب الشعب الأمريكي. كل هذا لا يغيّر حقيقة أن اللّوم في الأزمة الرأسمالية يقع أولاً وقبل كل شيء على الولايات المتحدة، وسوف يتطلب الأمر حركة جماهيرية ثوريّة تقوم بها الطبقة العاملة يقودها جميع المضطهدين، لرسم مسار جديد للولايات المتحدة بدلاً من البحث عن كبش الفداء والقمع السياسي المتأصل في النظام الرأسمالي.
المصدر American Herald Tribune