افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
يُخطئ كثيرون بقراءة المشهد الصهيوني الداخلي من جهة، ويُخطئ آخرون من جهة أخرى بقراءة مشهد العلاقة الصهيونية – الأميركية – الأطلسية، إلا المَعني بفلسطين قضيةً له تبدو قراءته دقيقة مَبنية على المُعطيات والوقائع، مُؤسسة على الفعل المُؤثر الذي يُراكم لحلف العدوان الصهيو أطلسي أزماته، فيُعمق مأزقه بما يَجعله قلقاً مُتوتراً بخياراته التي تَضيق، وبتَقييدها على النحو الذي يُظهره بمظهر العاجز المُتردد الواقع بين خيارين لا ثالث لهما: الإحجام والإقدام.
يُدرك حلف العدوان الصهيو أطلسي بهذه الأثناء أنّ الإقدام على العدوان بتفجير الحرب التي يُهدد بها دول محور المقاومة، يَنطوي على مَخاطر تُلامس حدود الانتحار، ذلك أنّ الانتصارات السورية، وعناصر القوّة التي تَمتلكها المقاومة الوطنية في لبنان والعراق، والجاهزية الإيرانية، تَردعه، وتَضعه أمام خيار الإحجام الذي لا يبدو أقل أثراً عليه، إذ يَرى بأمِّ العين تَعاظم عوامل القوة على امتداد المحور، بمُقابل تَراجع معسكر العدوان وأدواته التكفيرية الصهيونية والمُتصهينة.
لا مُبالغة في تَصوير المَشهد وقراءته، بل المَوضوعية تتجلى في التَّشخيص بناء وتحليلاً، وقد يكون الإجماع الصهيوأميركي هو من أهم ما تَعكسه وتؤكد مَوضوعيته، أولاً: الإجماع على ما تُسميه قوى العدوان ردع إيران. ثانياً: الإجماع على ما تُحاول هذه القوى تَعطيله في سورية، إن لجهة إعادة الإعمار أم لناحية تَرجمة الانتصارات الناجزة بدحر الإرهاب. ثالثاً: الإجماع على المُضي بتنفيذ “صفقة القرن” باعتبارها الخطوة التي تُحدث الفَرق المَطلوب.
ردعُ إيران، هدفٌ صهيوأميركي مُعلن لا جديد فيه، غير أنّ الطريق إليه غير واضحة، ليست سهلة ولا هي سالكة، ودونها ألف تَحدٍّ تُضاعفها طهران يوماً بعد آخر بكفاءة تُراقبها واشنطن، وقد باتت تَعرف الكثير من أوجهها: ما حدثَ لقاعدة “عين الأسد” بالعراق، الوصولُ لفنزويلا بإمدادات النفط، الاتفاقُ الاستثماري الشامل مع الصين، العلاقةُ المميزة مع روسيا، مُواصلة تَطوير الصناعة العسكرية، والقبول بتحدي احتساب صفر عائدات نفطية بالموازنة العامة للدولة.
تعطيلُ عملية إعادة الإعمار في سورية ومُحاولة منع التَرجمة السياسية لانتصاراتها على الإرهاب وداعميه، ذلك باتخاذ واشنطن وأدواتها إجراءات تَخطت العقوبات بالعربدة والشرعنة لسرقة الثروات الوطنية السورية، إنما هي قرارات بائسة لا تَحمل جديداً، إذا كان شعبنا بمنطقة الجزيرة يَرد عليها بانتفاضة ستتطور، فإن العقوبات والعربدة والاعتداءات الصهيونية لن تَبقى بلا ردّ، ولتَبقى محاولة تَسخين جبهات إدلب التي سبَقتها الإمدادات التركية بالذخيرة والسلاح للتنظيمات الإرهابية، محاولة العاجز المُفلس، ذلك أنّ استعادة إدلب قرار وطني، وحَتمية لن تكون إلا المسمار الأخير في نعش المشروع الصهيوأميركي.
المُضي بتنفيذ “صفقة القرن” التي وُلدت مَيتة، قد يَنطوي على خطوة تُحدث الفَرق المَطلوب، ولكن هل يَتخلف نتنياهو – ترامب عنها بإرادتهما؟ أم إنها تبدو الخطوة المُستحيل تَسجيلها رغم الإجماع عليها، وعلى أهمية الذهاب باتجاهها، شأنها في ذلك شأن الإجماع على اتخاذ كل ما يُعتقد أنه يَردع إيران، يَمنع تَظهير انتصارات سورية، يُعطل العراق، ولا يَسمح للبنان المُقاوم أن يكون قوياً، بل لا يَسمح له إلا أن يكون الخاصرة الرخوة لسورية.
الإجماعُ الصهيوني الأميركي الأطلسي على كل ما تقدم مُتوافر، بل متى كان غير مُتوافر؟ إنّ العبرة لا تَكمن في تَوافره من عَدمه، بل تتجسد بما ينبغي استشعاره، ولعل الإقامة الجَبرية لجوقة الحَمقى بين خَياري الإحجام والإقدام تُمثل أزمة كُبرى، يجب أن يُسأل عنها أصحاب الرؤوس الحامية الذين تَجمعهم زمرة واحدة تضم: نتنياهو ترامب أردوغان، يَلتحق بها آخرون في القارة العجوز ونَكرات لا قيمة لها في الخليج المُقزز.