تلقت الولايات المتحدة ضربة دبلوماسية وسياسية في مجلس الأمن الدولي تمثلت بإخفاقها في تمرير قرار يمدد الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على توريد السلاح الى إيران الأمر الذي يبرز تراجعا غير مسبوق للدور الأميركي في المنظمة الدولية.
هذه الصفعة التي تلقتها واشنطن لم تكن روسية صينية بالفيتو المزدوج فقط بل تشارك فيها كل من حلفاء أميركا التقليديين فرنسا وألمانيا وبريطانيا وبلجيكا بامتناعهم عن التصويت إلى جانب استونيا واندونيسيا وجنوب إفريقيا ولم تجد واشنطن من يقف معها إلا جمهورية الدومينكان وهو ما كان له الوقع الأكبر على وجه المندوب الأميركي.
ما جرى لواشنطن في مجلس الأمن لن يتوقف عند حدوده وسيكون دافعا للقوى الأخرى للمضي في حالة المواجهة المفتوحة مع السياسة الأميركية مع إصرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على التعامل بصلف وعنجهية مع العالم ومع حلفائها.
إن ردة فعل إدارة ترامب على الهزيمة المدوية للدبلوماسية الأميركية في الأمم المتحدة ستكشف عن مدى إدراكها لحقيقة الرفض الدولي الواسع لعبث السياسة الأميركية بأمن واستقرار العالم و عدم قراءتها بشكل صحيح ودقيق للتطورات الدولية وعواقب التحدي الأميركي للشركاء الآخرين ومحاولة تحجيم دورهم العالمي .
إن الفشل الأميركي في مجلس الأمن لم يكن ليحصل لولا صمود و نجاح الدبلوماسية الإيرانية إلى جانب قوة الشق القانوني في الاتفاق النووي وهو درس بالغ التأثير السلبي على صناع القرار والدبلوماسيين الأميركيين وفي نفس الوقت رسالة للعالم بأن الدفاع عن الحقوق وعدم الانهزام أمام الضغوط والتهديدات يوصل إلى الهدف ولا يضيع هذه الحقوق وتعليق بعض العرب على إخفاق واشنطن يدل على قصور وضيق أفق في فهم وتقبل النجاح الإيراني .
الإدارة الأميركية ما زالت تحت وقع الصدمة وخياراتها إن لم تكن معدومة فهي محدودة جدا للتعامل مع هذا الملف في ضوء عزلتها العالمية وهو ما يفرض عليها التراجع خطوات إلى الوراء والتعامل مع إيران والعالم بعيدا عن لغة الإملاء والتهديد أو المضي بسياستها العنجهية وحصد المزيد من الرفض الدولي لسياساتها وتعاطيها مع الأحداث العالمية .
مع الأسف العرب ربما هم الوحيدون الذين لم يستفيدوا من التغيرات السياسية والاقتصادية على الساحة الدولية على الرغم من توفر ظروف ملائمة ليتعاملوا مع واشنطن على مبدأ تبادل المصالح ولو بالحدود الدنيا و حتى اليوم تنفذ غالبية الدول العربية الأوامر والتعليمات الأميركية دون نقاش أو مجادلة على حساب مصالح شعوبها وبما يصب في صالح أعدائها وفي مقدمتهم كيان الاحتلال الإسرائيلي .
ان على الدول الخليجية التي وجهت رسالة إلى مجلس الأمن طالبت فيها بتمديد حظر توريد السلاح إلى إيران أن تحصد عواقب ارتهانها للقرار الأميركي من جهة وأن تراجع في نفس الوقت سياستها المحكومة بعزلة وإهمال عالمي لا سابق لهما، الأمر الذي يشكل خطرا جسيما على أمنها واستقرارها في حال مضت بهذه السياسة المغلفة بالمصالح الأميركية الصهيونية.
هذه ليست المعركة الأولى التي تنتصر فيها إيران في الدفاع عن ملفها النووي ومصالحها الحيوية و الإخفاق الأميركي في مجلس الأمن هو بمثابة مفصل تاريخي في عمل الأمم المتحدة بالنظر إلى موقف حلفاء واشنطن ( فرنسا وبريطانيا وألمانيا ) الرافض لتجديد حظر توريد السلاح إلى إيران والذين قد لا تتطابق رؤيتهم مع الموقفين الروسي والصيني وإنما تذهب باتجاه الرغبة برؤية رئيس جديد للولايات المتحدة الأميركية .
وعلى مبدأ أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي على العرب عموما والخليجيين على وجه التحديد إعادة النظر بسياساتهم البينية والإقليمية والدولية والتخلص من التبعية المطلقة للسياسة الأميركية فالعالم يتغير ومن لا يواكب التغيير يلفظ خارجا .
معاً على الطريق-احمد ضوا