من الواضح أن واشنطن تتعامل مع مجلس الأمن الدولي كما لو أنه أداة لتمرير أجنداتها ومخططاتها الخاصة فقط، فعندما تعجز عن حشد إجماع دولي داخل المجلس في قضية من القضايا المطروحة ــ قضية تمديد حظر السلاح على إيران ــ تهدّد باتخاذ إجراءات أحادية خاصة بها في تحدّ واستهتار بالمجلس والإجماع الدولي وخروج عن الأعراف والتقاليد، كما فعلت عام 2003 حين غزت العراق مع عدد من حلفائها وأدواتها بعد فشلها في جرّ الأسرة الدولية إلى اقتراف هذه الجريمة البشعة بحق الشعب العراقي، وكما تفعل منذ تسع سنوات بحق سورية من احتلال عسكري ودعم إرهابيين وتدمير بنى تحتية وحرق محاصيل ونهب ثروات وحصار اقتصادي..إلخ!
فبعد تعثر المخطط الأميركي في تمديد حظر السلاح على إيران، بدا الغضب واضحاً في تصرفات وتصريحات المسؤولين الأميركيين ولاسيما دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو، فالأول رفض دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لقمة طارئة عبر الفيديو لتخفيف التوتر حيال هذه المسألة، وهدّد باستخدام آلية “سناباك” المثيرة للجدل ضد إيران ــ آلية أحادية لفرض العقوبات ــ في حين صبّ الثاني جام غضبه على كل من فرنسا وبريطانيا لأنهما لم تدعما مشروع القرار الأميركي ضد إيران.
مشكلة واشنطن أنها تعتبر نفسها فوق العالم، ومن واجب الجميع أن ينصاع لأوامرها وينفذ رغباتها من دون اعتراض، وإن تسبب ذلك بمشكلات وأزمات وكوارث لا تحصى، فالجميع يدرك ــ بمن فيهم الأوروبيون ــ أن واشنطن هي المسؤولة عن كل تأزم جديد في قضية الملف النووي الإيراني بعد انسحابها غير المبرر من الاتفاق النووي الذي وقعته طهران مع السداسية الدولية والتزمت به واحترمته، وهي التي تتحمل مسؤولية أي مضاعفات سلبية لهذا الملف، ولا سيما أنها مستمرة بالتحرش بالجانب الإيراني والضغط عليه في ملفات عديدة وبعناوين مختلفة تلبية لرغبات صهيونية وخليجية.
ما جرى في مجلس الأمن مؤخراً شكّل صفعة قوية للسياسة الأميركية فيما يخص موضوع إيران، وقد يكون بداية لمرحلة جديدة من الصحوة الدولية والتعاطي المختلف مع السياسة الأميركية الاستفزازية التي خربت الاستقرار العالمي، ووضعت البشرية أمام مصير أسود، بسبب اتساع رقعة الحروب والأزمات التي تديرها وترعاها واشنطن بشكل مباشر، وهو مؤشر على قرب انتهاء حقبة الهيمنة الأميركية وتصدع جدران تحالفاتها الدولية وخاصة مع أوروبا التي تضررت كثيراً بسبب تبعيتها وارتهانها للغطرسة الأميركية.
نافذة على حدث – عبد الحليم سعود