الثورة أون لاين – هفاف ميهوب:
من الواجب والتقدير، أن نقوم وفي هذه الأيام التي تمرُّ فيها ذكرى رحيل الأديب “حنا مينه” باستذكار شيء من حواراته ودوره ونضاله، سواء في حياته أم أعماله الإبداعية، الحوارات التي نستدعي منها، تلك التي ردَّ في إحداها على سؤال الروائي “حليم بركات”: “كيف تحدد تجربتك، وما هو هاجسك الأهم في الكتابة الروائية؟.
“إن الرواية بالنسبة لي، تجربة حياتية مصدرها ما عشته ورأيته، بل أكثر من ذلك، ما عانيته معاناة قاسية وأليمة، دون أن تكون هذه المعاناة على قسوتها، خالية من الفرح ما دامت تقترن بالكفاح، ففي كلِّ كفاحٍ جانب مفرح، يتبدى لي حين تترسب الأشياء في قاع الذاكرة، وهناك تروق وتتصفّى، فما كان منها كدراً إلى نسيان، وما كان مبهجاً، يستيقظ بعد هجوعٍ يطول أو يقصر، وحينها لا أشعر بالمرارة. الحسرة تنتفي، تتحول إلى حماسة، ويغدو ما عانيته كفاحاً أعتز به.
هاجسي الأهم في الكتابة، ينشد في آخر المطاف، حلم البشرية الذهبي الذي هو العدالة الاجتماعية..”.
إنه الهاجس، الذي لم يكن فقط بسبب الأحداث والقضايا العربية المصيرية التي أثّرت جداً على كتاباته وطموحاته وحياته، بل أيضاً، بسبب الواقع الاجتماعي الذي استلهم منه مضامين الكثير من رواياته.
الواقع الذي عاشه منذ طفولته وصولاً إلى شهرته، باختلاف معاناته، والذي قال عنه في غالبية أحاديثه وحواراته:
“مع أنني لست باحثاً اجتماعياً، فإني أرى أن تطور مجتمع معين، في ظرف سياسي معين، وظرف تاريخي معين، لا بدَّ للكاتب أن يدرسه ويحاول تفهّمه، انطلاقاً من كون الكاتب يستمد من المجتمع كل ما يكتب.
إن المجتمع هو مصدر المادة التي يشتغل عليها المبدع، وإذا كان الكلام عن المجتمع العربي، فإن تناقضاته أعمق، والصراع فيه أشد، وهو في حالة تأزم واضحة، والمشاكل التي يواجهها كثيرة ومعقدة”..
لا شك أننا ما استدعينا ما كان لدى “مينه” من هواجس ومعاناة سببها الواقع العربي، إلا لأننا نعيشهما ذاتهما، بل وبأشد تأزمٍ وويلٍ على الحاضر، مثلما على المستقبل لطالما، الأحداث التاريخية والصراعات السياسية والحروب المتوالية، تؤكد فشل هذا الواقع في التحرر من كل أنواع التبعيات، حتى على المستوى المجتمعي.
ما استدعينا معاناته وهواجسه وأحاديثه، إلا لأنه كاتب الوجع والألم الإنساني. شيخ الرواية السورية، والشاهد على النضال في “المرصد” وحرب تشرين التحريرية.
الحرب التي هزّت أعصاب وعقول العالم، ولا سيما الأدباء والشعراء والكتاب، والتي نعيش حرباً تشبهها، بل تُعتبر أخطر منها وتحتاج إلى أقلامٍ كقلمه الذي أضاء، ليبقَى يذكر بإبداعه ونضاله حتى وإن غاب:
“في مثل هذه الظروف العصيبة، وفي هذا المناخ الفكري المتناقض، كتبت روايتي “الشمس في يوم غائم” مؤكداً أن الشمس موجودة وإن كانت محجوبة بالغيوم، وأن المسألة أن تحرير الأراضي المحتلة والقضاء على العدو الصهيوني، وتحقيق التقدم الاجتماعي، لن يتم إلا بواسطة القوى العربية التقدمية، وبواسطة الجماهير التي هي وحدها صاحبة المصلحة في التحرر والتقدم، وأن التنانين الصغيرة لا تقتل التنانين الكبيرة، بل الشعب نفسه حين يفرز قيادته المناضلة، الجريئة.
للكلمة دورها الكبير في الحرب كما في السلم، فهي التي تصوغ وجدانات الذين يصنعون الرصاص والذين يطلقونه، وهي التي تؤكد عدالة قضية ما، وتدفع المقاتلين إلى التضحية في سبيل هذه القضية”