الثورة أون لاين – لميس علي:
بعين سينمائية، تهوى كاميرا المخرج محمد عبد العزيز نقل تفاصيل واقعية بطريقة مغايرة لما اعتدنا حضوره في الأعمال الدرامية السورية.
تنزلق وتنحاز لتقديم المغاير محمّلاً بدهشةٍ ربما كانت ذات نكهة إيجابية بعمومها لدى البعض، أو مناقضة لذلك لدى البعض الآخر.
وهو مثار جدلٍ لكثير من الأمور التي حاول عمله الأحدث “شارع شيكاغو” نقلها أو تقديمها بلبوسٍ فني يستحضر الخيال شرطاً لازماً وصولاً للمتعة، المطلب الأبرز في أي عمل فني.
ينطلق “شارع شيكاغو” بسرد حكايته من حدثٍ واقعي حصل عام 1959م، في دمشق وهو زيارة تشي جيفارا لسورية.
ولطالما قدّم العمل تفاصيل حكايته ما بين زمنين، الماضي في ستينيات القرن العشرين، والزمن المعاصر تحديداً عام 2009 م، كنوعٍ من لعبة تسوْق المتلقي لحيز عقد مقارنات لاشعورية بين ما كان وما هو كائن حالياً.
فترة الخمسينيات والستينيات الفترة الأبرز من حيث الانفتاح الفكري في تاريخ سورية، يطالعنا بها “شارع شيكاغو” وهو من تأليف المخرج نفسه عبد العزيز، وكما لو أنه بشكل أو بآخر يأتي رداً غير مباشر على نوعية درامية سادت في السنوات الأخيرة تحت مسمى “دراما البيئة” فيأتي عبد العزيز ويقدّم “دمشقه” التي يحب، والتي نحب، مكاناً رحباً لقبول جميع الأنماط الحياتية.. جميع الآراء والأفكار والاختلافات.. مكاناً خلّاقاً بصنع الحياة التي نستحق وتستحق مدينة عريقة، كمثلها لا أخرى.
اللافت والمغاير في “شارع شيكاغو” رغبته بتقديم خلطة تشتمل على عناصر الجذب متضمناً حوارات وعبارات “تعلّم” في ذهن المتلقي، كما حين التصادم الذي حدث في الشارع بين أنصار الحياة، كما يمكننا أن نطلق عليهم، والجماعة الأخرى مشتملةً على من يمكن أن ندعوهم السلفيين أو المتزمّتين.. ضدّين يتقابلان وينتج عن ذلك التقابل أطياف حياة كاملة بمختلف أصنافها وتدرجاتها.
عين “عبد العزيز” عينه السينمائية، تحترف تكبير بعض التفاصيل.. بمعنى يتعامل مع بعض الأشياء، الأحداث، الحوارات، و كما لو أنها معدّة لتكون في هيئة سينمائية. هي تتواءم وكيفية العرض السينمائي لا العرض التلفزيوني.
من ذلك ما وجده البعض غير مناسبٍ للطرح في الدراما التلفزيونية، كما بعض المشاهد التي اُعتبرت “أوفر” أو بعض الألفاظ غير المستحبة التي تخدش الحياء.. ويبدو أن المخرج كان أميناً لنقل الحياة كما ينبغي لها أن تكون فنياً. فهي، واقعياً، أبعد من ذلك، ربما، بمرّات.
يتشابك في العمل الكثير من عناصر الجذب إن كان لجهة عرضه قصة موت مغنية (ميرامار، سلاف فواخرجي) واللغز الذي يحيط بها، كما قصة الحب التي تجمعها بأحد الصحفيين (مراد، مهيار خضور).
بالإضافة إلى تقديم مشاهد غنية بالغناء والرقص والموسيقا محاولاً استكمال خلطته الفنية بأبهى هيئة بصرية، طُبعت ببصمات إخراجية لافتة.. والتي نجحت بتقديم التمايز في زمنين مختلفين من حيث الصورة وهيئة الشخصيات، المكان، الإكسسوار، المكياج، وغيرها من عناصر إخراجية.
دون نسيان أسلوبية رسم عبد العزيز لشخصياته التي تبدو متميزة عن بعضها بطريقة واضحة.. لكل شخصية مفاتيحها وطرائق تعبيرها المختلفة عن الأخرى.. إنها “كركترات” فاقعة في وضع بصمتها الخاصة.
على سبيل المثال، تبدو شخصية “ستيلا، شكران مرتجى” ناجحة الأداء وبتميز. كما شخصية جوان الخضر بأدائه لشخصية “برهان، الحوت”.. أمل عرفة في شخصية سماهر.. مصطفى المصطفى، وغيرهم.. جميعها شخصيات رُسمت بعناية.. توحي بوجود مايسترو يدرك كيف يسيِّر أبطاله.. مع ملاحظة الحضور والأداء الجميل لسلاف فواخرجي المختلف عن جميع ما قدّمت سابقاً.. لكن مع ذلك تبدو غير مناسبة للدور لجهة الحضور الجسدي والعمري.