لقد ثبت على مر العصور أن الذي يبقى مشرقاً ، من حضارة أي أمة هو فكرها وفنونها، وحين تنحدر أمة، تنحدر فنونها وآدابها وثقافتها كما هو حال أزمنة القحط الإبداعي والثقافي الراهنة.
ومع ظهور العبث والاستسهال في الفن التشكيلي، نجد العديد من أصحاب الحرف اليدوية، يحافظون على أصالتها المتوارثة منذ قرون، ولهذا تصبح بعض الحرف ميداناً فنياً تتاح فيه للمواهب البروز والظهور، وعندما نتحدث عن الجوانب الفنية، في هذه الصناعات المهنية، يكون في حسابنا أن الذي تخرجه الورش، هو ليس إبداعاً، إلا في حالات استثنائية ونادرة، فبعض القطع الفنية تبدأ من الشكل التقليدي لصناعة الأشكال القديمة، ثم تعمل على تطويره، على الأقل في ابتكار بعض البنى التشكيلية والزخرفية، التي تعتمد على معطيات المخيلة، أكثر مما تعتمد على التكوينات الجاهزة لصناعة الأشكال.
وهذا يعني ان الذين يبدعون في المهن اليدوية قلة، فالأكثرية لا هم لهم سوى الإنتاج والبيع، بعيداً عن إضفاء أي لمسة إبداعية، وهكذا يقل يوماً بعد آخر الفنانون الذين يبدعون في حرفهم، فمن السهل أن يتعلم طالب المهنة صنع الأشكال بعد فترة من المراقبة والتدريب ، أما تجديد الصنعة واكسابها طابع الحيوية والابتكار، فيحتاج إلى موهبة وصدق وعشق مزمن للعمل.
ومن إيهامات الدمج بين المرئي والمحسوس، يبتكر الحرفي- الفنان فراغاً تشكيلياً يتجاوز معطيات المهنة، ويصل الى المجال الابتكاري، القائم على عوامل الجذب الإيقاعي، الذي ينطلق من مبدأ كسر حوارية التكرار، في صياغة الزخارف الهندسية.
وهنا تطرح مسألة جوهرية تتعلق بسبل الارتقاء بالصنعة والحرفة وبالتالي العمل على تجديدها باستمرار وإكسابها طابع الحيوية والابتكار.
ولهذا يعطي الحرفي ـ الفنان أشكالاً زخرفية مغايرة وخبرة مختلفة عن الوحدات التقليدية لصانعي الأشكال الزخرفية المطروحة في السوق الاستهلاكي، وتبدأ معه مرحلة إنتاج أعمال مميزة، وتظهر في النهاية كأنها تحف فنية نادرة تبرز ذوقاً ومهارة لدى صانعها.
رؤية- أديب مخزوم