الثورةأون لاين – رنا بدري سلوم:
الشاعر “فرحان الخطيب” يرتّب قوافيه كصياد ماهر ترزقه بحور الشعر بغير حساب، فيفضله كل منبر، وهو عضو اتحاد الكتاب العرب “جمعية الشعر” الذي أضاف للمكتبة العربية ثمانية دواوين شعرية، فماذا أضاف له الشعر؟ وغيرها من الأسئلة التي وجهناها له في حوار مع صحيفة “الثورة”:
س1 – ما الذي يميز الشاعر؟ ولاسيما أننا نرى الكثير ممن تحولوا فجأة إلى الشعر ؟ ومنهم من قاصين إلى شعراء ؟
– الشاعر عبر تاريخ الأدب العربي، هو صوت القبيلة والمنافح عن قيمها والحامي لذمارها وله مكانته العليا بين أفرادها لما يتميز به من فصاحة في اللسان ، ونصاعة وبلاغة في البيان ، وقوة حجة في تقديم البرهان ، وهو الفارس والماجد والكريم والشجاع ، فإذا أنشد أنصت القوم ، وإذا رفع الوضيع رفع ، وإذا وضع الكريم وضع ، ومر الزمن ولم يزل للشاعر حضوره الساطع ، وبيانه البارع الماتع ، فاستهوت هذه الصفات ممن يكتبون بأصناف الأدب الأخرى أن يلجوا هذا الباب ، وهم لا يدركون أن الشاعر مجبول على فطرة وطبع ، لا على دراسة وحفظ ، وإلا لكان كل مدرسي اللغة العربية هم شعراء ، لأنهم يجيدون اللغة ونحوها وصرفها ، كما أنهم مبهرون في شرح قصائد الشعراء ، وإذا رجعنا الى قرون خلت وجدنا أن أهم نقاد العرب كالجرجاني والآمدي والجاحظ هم الذين نقدوا الشعر وبينوا جمالياته ومثالبه ، ولكنهم لم يستطيعوا أن يكونوا شعراء ، وأنا أرى أن الذين تدافعوا لغاية قول الشعر لجهة الشهرة والوصول ، ظلوا وبكل تأكيد في صفوف اللاشعراء.
س 2 – لماذا لم يختص شعرك بالطفل أو المرأة فقط ؟ أعني التخصص، وهل هذا يقيّدك كشاعر ؟
– طبعا يقيد مشاعري ، فالشاعر يقتفي بمشاعره كل الحالات التي تلامس جوهره ، وذاته ، فتصوري معي أن يسجل أهلنا انتصاراً ساحقا على داعش في معركة المقرن الشرقي في السويداء ، وتراق الدماء، وأنا مختص بالمرأة أو الطفل ، وأوقف تدفق مشاعري بزهوة النصر لأنني غير مختص. الشاعر هو الجوّاب برهافته على كل حدث يحرك وجدانه ، ويستجيب يراعه ولغته إلى كتابة هذا الحدث شعراً.
س3 – لاحظت أن هناك الكثير من الرثاء، ولا سيما لأصدقائك ، ألا تخاف أن تطبع قصائدك بهذا المنحى ، منحى الرثاء ؟
– وآخر يقول لي أنت شاعر الحب والغزل ، وكتب أحدهم عني ذات دراسة أن الخطيب شاعر الوطن والانتماء، وها أنت تذهبين بي صوب الرّثاء ، وقد أسعدتني هذه الالتفاتة المليحة منك، لأنها تدلل على تنوع وتعدد الأغراض الشعرية في دواويني التي صدرت، والرثاء حالة وجدانية صادقة صافية تتمظهر فوّارة معبرة عن خلجات عاطفية مؤثرة، تصوغها الأحاسيس قصيدة شاهقة الدمع ، وطافحة بالأسى ، وموّارة بتعداد المآثر الذي توجه من خلال الفقيد إلى الأحياء، لتذكرهم بأن المنقبة الصالحة هي الأبقى في سجل الخلود، وأما العمل السيء فمصيره وصاحبه الهباء، ولهذا تجدينني في شعر الرثاء كما أنا في غيره أيضا.
س 4 – ما الذي يدفع الشاعر للبحث عن منصات الكترونية خارج المواقع الرسمية ، بوجود منصات رسمية تعنى بالثقافة والأدب؟
– أرى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت حقيقة واقعية لا مناص منها ، ولذلك حاول الشعراء الذين يحسون أن المنصات الرسمية لم تأخذ بيدهم ، حاولوا الذهاب الى منصات أخرى لنشر ما يكتبون، رغم أن معظم هذه المنصات لا تأبه للشعر إذا كان على سويّة فنية عالية أو مقبولة في الحد الأدنى، وأؤكد أن في حياتنا الثقافية على أرض الواقع وضمن بعض المؤسسات الرسمية قد تسرب بعض من هؤلاء كما على المنصات الأخرى ، لأدلل بعد ذلك أن الشاعر الحق يكون حاضرا إن كان هنا أو هناك ، لأن ما يحمله إلى هذه المنصات هو جيد شعره ، ورهافة حسه ، ونصاعة بيانه الآسر ، أما الذين دون ذلك فإنهم عابرون ولو ظهروا في أي مكان واقعي أو افتراضي.
س 5 – هل أصبحت دواوينك الكترونية ، أم مازالت ورقية؟
– بدأت بعض المواقع الالكترونية الطلب مني لتزويدها بدواويني الشعرية لاعتمادها الكترونيا، وقد تم تحويل ديواني (فيض قلب) وديواني (بوح ..ليس إلا) إلى ديوانين الكترونيين
س 6 – ما الموضوع الذي لم تتناوله في قصائدك بعد ؟ بحرية ؟
– الشاعر هو صوت الإنسان الحر ، وضمير أبناء وطنه ، وهو لما يزل يعبر عن الواقع المعيش حوله، وطنيا وقومياً وإنسانياً واجتماعياً وذاتياً ، ولو رجعت إلى مجمل دواويني لرأيت أنني منحاز للوطن والإنسان بكل جوانب الحياة ، كتبت عن الأرض والأم والأب والحبيبة والجوع الألم الإنساني بكل تجلياته، كتبت عن تطلع الإنسان الى وطن حر ، يدافع عن الأرض ، وينشد العدالة الاجتماعية، كل هذا تجدينه مبثوثاً في تضاعيف قصائدي ، ولم أر أي عائق لأكتب ما يجول بخاطري ، وما سيجول لاحقا ، فالشاعر كلمة وموقف تجاه الوطن والإنسان.
س 7 – هل الشعر ( ما بطعمي خبز ) كما قيل عنه ، في ظل كل هذا الانفتاح والجماهيرية، والتي قد تؤثر بطريقة ما في التسويق والنشر، وبالتالي للأجر المادي ؟
– لا أظن أن حرفة الأدب في بلاد العرب تطعم خبزا ، لا سابقاً ، ولا حالياً ، إلا باستثناءات قليلة، والاستثناء ليس قاعدة ، حتى أننا نادينا وبصوت عال ، وكنت حينذاك رئيسا لمركز ثقافي، أن أجر الأديب يجب أن يكون عاليا لجهد يقدمه في أمسية أو محاضرة أو إيجاد وسيلة لتسويق ما يطبع من كتب إن كانت الطباعة على حسابه أو على حساب وزارة الثقافة أو على حساب اتحاد الكتاب العرب ، ولكن لا نرى أية نتائج مادية (بتطعمي خبز) في هذا الاتجاه ، اتجاه الابداع.
س 8 – ماذا أضاف اتحاد الكتاب العرب لك ، وماذا أضفت له ؟
– اتحاد الكتاب في سورية لعله الأفضل بين الاتحادات والروابط العربية تجاه الكاتب الذي ينتسب إليه ، وهو يمنح المنتسب قيمة معنوية تحقق له مشاركات عدة ، ويكون له حضوره من خلال لجانه والكتابة في صحفه ومجلاته، علاوة على أنه يقدم تعويضاً عند الوفاة وراتباً تقاعديا للكاتب، وصحيح أنه على قدر الإمكان ، ولكنه أمر جيد في المتاح ، أما ما أضفت إليه أزعم أنني مشارك نشيط في كل مناسباته أمسيات ومهرجانات وأنا عضو في أكثر من لجنة فيه وعضو في مجلس إدارة صندوق تقاعده وأبذل مع الزملاء ما نستطيع لرفع سوية العمل الإداري والإبداعي .
س 9 – أتعتقد أنه سيأتي اليوم وتدرس فيه قصائدك في المناهج التعليمية للمرحلة الابتدائية؟
– أتمنى ذلك ، وهذا عائد لمؤلفي الكتب المدرسية ، وعندما أصدرت ديواني ( تعال يا قمر ) الموجه للأطفال، واقتنته وزارة التربية أوصت في تقريرها باعتماد قصائد منه للمرحلة الابتدائية الأولى ، ولكن هذا لم يحدث ، وأنت والجميع رأى أن كثيراً من القصائد التي وضعت لطلابنا أثارت استياء المواطنين على مستواها الضعيف وغير التربوي، لأن القصائد التي تندرج في مناهجنا يجب أن تشعّ بجمالية اللغة صورة وأسلوبا وأن تكون حمّالة لقيم تربوية، ونضّاحة بسمات المجتمع المنتمية إليه وصاعدة به الى التقدم والتنوير والمعاصرة بآن.