ثورة اون لاين -ناصر منذر:
تكتوي قلوب السوريين اليوم بنيران حرائق الغابات والحراج المندلعة منذ نحو أسبوع، نظراً لما تمثله هذه الثروة الحراجية من قيمة اقتصادية وبيئية واجتماعية وتراثية وحضارية، لاسيما وأن جراحهم لا تزال تنزف جراء إحراق محاصيلهم الاستراتيجية على يد الاحتلالين الأميركي والتركي ومرتزقتهما الإرهابيين، الأمر الذي يزيد من أوجاعهم، في ظل ما يواجهونه من تحديات كبيرة تمليها ظروف الحرب الإرهابية التي يتصدون لها بكل بسالة وشجاعة.
ومع الجهود المضنية والاستثنائية التي تبذلها فرق الإطفاء بالتعاون مع الأهالي لإخماد تلك الحرائق، يبقى اللافت مؤازرة رجال الجيش العربي السوري، الذين يثبتون كل يوم أنهم أهل العزم والتضحية، يلبون نداء الواجب في كل الساحات والميادين، ويستمدون مواقفهم النبيلة من عشقهم لتراب الوطن، يعززون لحمتهم الوطنية مع الشعب لأنهم أبناؤه البررة، يحملون كل معاناته وأحلامه وتطلعاته، وهذا ليس غريباً على جيشنا العقائدي الذي يقدم الغالي والنفيس في سبيل عزة الوطن وشموخه، فكما يقدم التضحيات على جبهات القتال ضد الإرهاب وداعميه، لا يتوانى لحظة واحدة عن تقديم الواجب على جبهة التصدي لكل ما يصيب الوطن من كوارث أليمة تحتاج لتضافر كل الجهود لمواجهتها والتغلب عليها، فيشكل بتكاتفه مع أبناء الوطن رافداً قوياً يضاعف من قوة هذا الوطن، ويزيد من منعته وصموده.
الحرائق التي تأكل غاباتنا وأحراجنا، بقدر ما تحرق أفئدتنا، وتزيد آلامنا وأوجاعنا، بقدر ما تحملنا مسؤولية وطنية مضاعفة للعمل على حماية كنوزنا الطبيعية، وكل من موقعه، فهذه المحنة التي تطفو إلى الواجهة مع كل موسم صيف، تحتاج منا جميعاً الالتزام بكل سبل ووسائل الوقاية لمنع حدوثها، وسواء كانت ناتجة عن عوامل طبيعية، أو بسبب تصرفات بشرية غير لائقة وغير منضبطة، أو نتيجة إهمال متعمد، أو غير مقصود، فيجب وضع استراتيجية فاعلة للتصدي لها، لا سيما وأن حرائق الغابات تمثل كارثة بيئية لما تسببه في القضاء على الأنواع النباتية والحيوانية، فضلا عن القضاء على المنتجات الخشبية والإضرار بالاقتصاد الوطني، وبالقيم الجمالية والسياحية لتلك المناطق.
مع الأسف فإن اللجان التي كلفتها وزارة الزراعة التحقيق بأسباب اندلاع الحرائق في منطقتي الغاب ومصياف التي حدثت مؤخراً توصلت إلى نتائج أولية، تفيد بأن تلك الحرائق كان بعضها بفعل فاعل، والبعض الآخر كان بسبب الإهمال، وكلا الأسباب تعتبر تعديات لا يمكن تبريرها، سواء كانت مقصودة، أو غير مقصودة، فالتعدي على الغابات والثروة الحراجية، هو تعد على الوطن، ويجب وضع آليات رادعة لمنع تكرارها، وهذا لا يتم إلا بتشديد العقوبات، فالخسائر قدرت بآلاف الدونمات، وتحتاج لجهود كبيرة لإعادة تشجيرها واستصلاحها، وهذا يستوجب المحاسبة لمن تسول له نفسه الإضرار بثروات الوطن.
عملية المشاركة الواعية والمسؤولة من قبل فرق الإطفاء والأهالي وقوى الأمن الداخلي ورجال الجيش في العمل على إخماد الحرائق، لا شك أنها جسدت لوحة وطنية تعكس تكاتف وتعاضد السوريين في مواجهة المحن، وهذه المشاركة الجماعية لا بد وأن تتكرر قريباً خلال عملية استصلاح المساحات المحروقة وإعادة تشجيرها، لتعود إلى اخضرارها وسحر جمالها، والشكر والتقدير لكل من حظي بشرف التصدي للحرائق، فالجميع جنود الوطن الأوفياء.