الثورة أون لاين – تحقيق وفاء فرج:
انطلاقاً من الوقوف على خفايا وواقع إنتاج الدواجن وما وصلت إليه الأسعار من ارتفاعات غير مسبوقة وقلبت المعادلة بعزوف المواطنين عن شراء هذه المنتجات ودفعت هذه الاسعار معظم شرائح المجتمع السوري بعيداً عن شرائها بعدما كان المربون هم من اعتزل هذه المهنة نتيجة ارتفاع أسعار الأعلاف، فكيف وصل واقع هذا القطاع إلى ما وصل إليه، وضعف الحلول المطروحة لمعالجة أزمة هذا القطاع خاصة بعدما وصل سعر الفروج إلى نحو ١٠ آلاف ليرة دفعت بالمواطن الى تخليه عن لحم الفروج !!
(الثورة) تابعت هذا الموضوع من خلال اجراء لقاءات مع عدد من المربين والفنيين.. حيث يقول مربي الدجاج البياض غازي سليم جاموس: نحن نمارس مهنتنا في انتاج بيض المائدة منذ اكثر من اربعين عاماً، وقد تعرضنا لأزمات كثيرة من جوائح مرضية، أو نقص بالمواد العلفية، ولم يتبق مادة أو خلطة علفية إلا جربنا استخدامها لتأمين أعلاف للطيور تخدم في توفير بديل محلي كلي او جزئي عن العلف المستورد وذلك بإشراف وتعاون مع وزارة الزراعة والفنيين في الجامعات السورية، إلا أننا تعرضنا إلى نكبات انتاجية بفعل تلك التجارب من حيث الانخفاض الحاد بمستويات الانتاج أو من حيث نوعية الإنتاج، ورغم شغفنا بتوفير مورد علف محلي إلا أن الواقع لم يلبِ طموحنا فالذرة الصفراء المحلية لم تبلغ الكم الانتاجي الذي يغطي حاجة الدواجن فضلاً عن تردي نوعيتها وإصابتها بالتعفن ما يلحق ضرراً بالطيور وكذلك بالنسبة لكسبة فول الصويا المحلية التي لم تحقق المواصفات القياسية المطلوبة وساهمت بتدهور إنتاج قطعاننا من البيض ولحم الفروج، ونتمنى أن نصل إلى اليوم الذي يغطي فيه انتاج الذرة الصفراء المحلية وكسبة فول الصويا الاحتياج الفعلي لقطعان الدجاج السورية.
الخلطات المحلية لم تنجح
ولم يخف المربي محمد رضا جمعة معاناة قطاع الدواجن خلال الأزمة بشكل كبير وفقد الكثير من بنيته التحتية وهناك عدد كبير من المربين بحاجة إلى تمويل للعودة إلى العمل نظراً لارتفاع أسعار الأعلاف التي تأثرت كثيراً بفعل تبدل سعر صرف العملة المحلية حيث ان أعلاف الدواجن مستوردة بالكامل وقد جربنا وبإشراف ومتابعة الفنيين استخدام المواد العلفية المتاحة محلياً إلا أننا فشلنا في الوصول إلى خلطات اقتصادية وتحقق انتاجاً مقبولاً وتبين لنا ضرورة الاعتماد على الذرة الصفراء وكسبة فول الصويا وربما القليل من الشعير المقشور بعد إضافة بعض الأنزيمات اللازمة لتشجيع هضمه وامتصاصه من قبل جهاز هضم الطيور.
رأي الخبرة الفنية
الخبير في الانتاج الحيواني ومدير شركة دواجن المهندس عبد الرحمن قرنفلة قال: يعتبر العلف الغذاء الرئيسي للدجاج، حيث يشكل النسبة الأكبر من التكلفة الإجمالية لتربية الدواجن، مبيناً أن احتياج دواجن القطر من حبوب الذرة الصفراء يبلغ حوالي 2.5 مليون طن سنوياً ينتج منها محلياً من 8- 10 % فقط وذلك لاعتبارات فنية تتعلق بمحدودية موارد المياه والأراضي اللازمة للتوسع في هذه الزراعة ومستلزمات تجفيف الحبوب، ومن كسبة فول الصويا حوالي 750 ألف طن، ويتم تأمين معظمها من خارج البلاد نظراً لعدم اقتصادية إنتاجه حالياً في ظل صعوبات تسويقه وتصنيعه وخزنه ويتم انتاج جزء بسيط منه بواسطة مصانع الزيوت التي تقوم باستيراد حبوب فول الصويا…
كانت التربية على هامش المزرعة
وأضاف قرنفلة خلال العقود الماضية كانت تربية الدواجن تتم على هامش المزرعة، ولم يكن هناك تربية متخصصة، وكانت عروق وسلالات الدجاج المحلية (البلدية) تنتج إنتاجا موسمياً من البيض (خلال فصل الربيع والصيف) ولا تلبث أن تتوقف عن الإنتاج، حيث تشير البيانات الاحصائية الى أن متوسط إنتاج الدجاجة البلدية من البيض لا يتجاوز الــ 50 إلى 75 بيضة بالسنة، بينما لم يكن مفهوم الفروج سائداً حيث كان إنتاج اللحم يعتبر ناتجاً ثانوياً لإنتاج البيض ويعتمد على الديوك الزائدة عن الحاجة، فضلاً عن الإناث التي أنهت عمرها الإنتاجي، في ظل معامل تحويل -العلف إلى إنتاج – منخفض جداً (تستهلك من العلف أكثر مقابل إنتاج أقل) إضافة إلى حاجتها إلى وقت زمني طويل (عدة أشهر لبلوغ وزن الجسم 1.5 كيلوغرام) للوصول الى مرحلة الإنتاج أو إلى العمر التسويقي.
هذه السلالات والعروق كانت متطلباتها الغذائية متواضعة وتكتفي بما تقتات عليه من مخلفات المزرعة وما يتبقى من طعام الأسر الريفية.
بينما عروق الدواجن السائدة حالياً هي حصيلة هندسة وراثية عملت على تجميع مورثات من عروق وسلالات دجاج مختلفة إنتاج فرخة متخصصة بإنتاج البيض تتمتع بصفة الإنتاج المرتفع (يصل إنتاج الدجاجة إلى 320/ بيضة خلال حياتها الانتاجية 18 شهراً.
أو فرخة متخصصة بإنتاج اللحم حيث تتميز عروق اللحم ببلوغ وزن إنتاجي يتجاوز 2.25 كيلو غرام.
خلال فترة تسمين تقدر بحوالي 40 يوماً، وهي بحاجة إلى أعلاف ذات محتوى مرتفع من الطاقة والبروتين، و أعلاف الدجاج تتشكل من خلائط يدخل فيها الأعلاف والفيتامينات والمعادن والأحماض الأمينية وملح الطعام ومصادر الكالسيوم والفوسفور ومضادات الأكسدة والتعفن وغيرها، ويتم حساب نسب مشاركتها بالخلطات باستخدام برامج الحاسبات الالكترونية للوصول إلى أرخص خلطة تلبي الاحتياجات الغذائية للطيور.
وأكد المهندس قرنفلة أنه تقليدياً تعتبر الحبوب (الذرة الصفراء والقمح والشعير المقشور وغيره) من الأعلاف الغنية بالطاقة التي تدخل في علائق عروق الدجاج الحالية وباستثناء حبوب الذرة الصفراء، ثبت أن عدداً من الحبوب لا يمكن مشاركتها إلا بنسب ضيقة في خلطات أعلاف الدجاج لأسباب فسيولوجية، بينما تعتبر كسبة فول الصويا (وبعض اكساب الحبوب الزيتية والحبوب البقولية) من مصادر البروتين وباستثناء كسبة فول الصويا فإن باقي اكساب البذور الزيتية توجد محددات فسيولوجية تعيق إدخالها بنسب مرتفعة في خلطات أعلاف الدجاج.
ظروف مشابهة في الثمانينيات
وأضاف: سورية سبق أن مرت خلال النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي بظروف حصار مشابهة للظروف الراهنة وعانى قطاع الدواجن من ندرة الاعلاف وعقد الكثير من الاجتماعات الفنية التي هدفت الى استنباط بدائل علفية محلية، إلا أن التجارب الحقلية لم تحقق نتائج مرضية لكافة الخلطات التي تم تشكلها بالاعتماد على الموارد العلفية المحلية.
وقال قرنفلة إن سورية لا تمتلك ميزة نسبية لإنتاج أعلاف الدجاج بشكل اقتصادي حيث يعتبر محصول الذرة الصفراء من المحاصيل الشرهة جداً للمياه إذ أكدت نتائج دراسة الاحتياجات المائية للذرة الصفراء المنفذة في منطقة دمشق لمدة أربع سنوات، أن وسطي الاحتياج المائي للعروة الأساسية آجاتي 72 (غوطة 82) بمعدل قدره 6600 متر مكعب/هـكتار لإنتاج بحدود 9 أطنان/هـكتار، وللعروة التكثيفية LG11 بحدود 5.2 أطنان/هكتار بمعدل احتياج مائي 4500 متر مكعب/هـكتار.
ونحن في منطقة تعتبر من المناطق الجافة وشبه القاحلة، وسورية شأنها شأن كثير من دول العالم تستورد أغلب احتياجها من أعلاف الدواجن التي يتركز انتاجها في عدد محدود من دول العالم التي تمتلك ميزة نسبية لإنتاجها بشكل اقتصادي.
ولم يتجاوز انتاج سورية تقليدياً من حبوب الذرة الصفراء الـ 10% من احتياج البلاد، فضلاً عن عدم توفر مساحات كافية في ميزان استعمالات الأراضي لزراعة هذا المحصول وحاجته إلى مجففات ووقود لتجفيف حبوب الذرة الصفراء الطازجة تمهيداً لتخزينها.
وعندما نستورد حبوب الذرة الصفراء فإننا بواقع الحال نستورد المياه التي استخدمت في انتاجه (الماء الحيوي) وهي كميات كبيرة جداً.
بخصوص الواقع الحالي
يتم استيراد حاجة القطر من كسبة فول الصويا مباشرة، أو استيراد حبوب فول الصويا وإدخالها في مصانع استخلاص الزيوت ليتم عصرها واستخلاص زيت الصويا منها إضافة إلى عدد من المنتجات الجانبية وكسبة فول الصويا، ومع تشديد العقوبات الاقتصادية على سورية التي تفرضها الولايات المتحدة الاميركية ودول الاتحاد الاوربي على الشعب السوري واضطراب سعر صرف العملات الاجنبية مقابل العملة المحلية برزت على السطح مشكلة الارتفاع المفاجئ بأسعار أعلاف الدواجن وصعوبات تأمينها والتي ساهمت بخروج عدد كبير من المربين من حقول الإنتاج لعجزهم عن تأمين مبالغ ضخمة ثمناً للمواد العلفية ما أدى إلى ارتفاع أسعار منتجات الدجاج بالسوق المحلية بشكل كبير.
المقترحات والحلول
وبين المهندس قرنفلة أن تخفيض70 % من تكلفة إنتاج منتجات الدجاج على الأقل عّما هو عليه الآن يعتمد على عاملين رئيسين هما، تحسين الإنتاجية ورفع مستواها إلى مستويات الدول الأقل تكلفة، يدخل تحت هذا الموضوع تخفيض معدّل نسبة النفوق بالقطعان المرباة على مدار السنة إلى ما يقـل عن 5 %، وتخفيض عامل تحويل العلف إلى ما دون 1.7، وتحسين إنتاجية أمَّات التسمين إلى ما يزيد على 135 صوصاً لكل أم بدأت بالإنتاج، مؤكداً أن الوصول إلى هذه المعدّلات يخفّض تكلفة إنتاج كيلو دجاج التسمين 30% عمّا هي عليه اليوم، أما تخفيض الـ 40 % المتبقية يعتمد على إمكانية إنـتاج مواد علفية أقّــل سعـراً مـن تكلفة استيرادها.
وأضاف إن الحلول تكمن في تبني برنامج وطني لتنمية وتطوير زراعة الذرة الصفراء وفول الصويا من خلال قيام مراكز البحث العلمي والجامعات باستنباط أصناف عالية المردود وأقل احتياجاً للماء وتوليد وسائل زراعة هذه المحاصيل بأقل قدر ممكن من مياه الريّ كون الري عملية مكلفة بيئياً واقتصادياً، خاصة في الأماكن التي تكون فيها مصادر المياه جوفية وعميقة.