الثورة أون لاين- علي الأحمد:
نعم هي مغامرة، لابد منها ، في سبيل الوصول لأفق جديد ومغاير ، في الكتابة الموسيقية المعاصرة ، تكون بمثابة تحول حقيقي في النزوع الحداثي من الداخل، الذي ابتدأ كماهو معلوم، مع كبار الموسيقى العربية ، وتوقف بعد رحيلهم، مع صعود لغة التغريب وماتلاها من فقدان الهوية والبوصلة، لأسباب سياسية واجتماعية معلومة.
-مدعاة هذا الحديث، هو وجود جيل من الموسيقيين العرب، يحاولون ما استطاعوا اليه سبيلا، من أن يغيروا واقع وحال موسيقانا العربية، نحو التمرد على القوالب الجامدة، وعلى لغة التقليد التي تسود في المشهد المعاصر، وهم يدركون حجم الخراب الذي تركته هذه اللغة الفقيرة المتيبسة، التي تعني فيماتعنيه من نضوب الابداع وانطفاء العقل الموسيقي العربي، الذي عليه أن يطرح الأسئلة من جديد، ويرى أن هذه الأسئلة أهم من الإجابة، في كثير من الأحيان. هذا المسير الحداثي المأمول، الذي يؤمن به هؤلاء الموسيقيين الشباب، لابد له وإن يثمر قطوفاً دانية، وصياغة قيم جمالية مغايرة، مهما طال عصر متاحف القبح والرداءة والانحطاط، المنتشرة في العالم ككل، حتى في تلك البلدان التي تمتلك تراثاً موسيقياً كلاسيكيا عظيما، هذا التجديد المنشود، وروح التمرد التي يمتلكها هؤلاء الفرسان الجدد، يعني خلق آباء جدد، لفن موسيقي تيتم مبكرا، بعد أن حدثت القطيعة المعرفية بين الماضي والحاضر، بين تراث ابداعي ناجز ومكتمل، وبين نتاجات الثقافة المزيفة التي تمثلها اليوم وبشكل فج وسطحي، منظومة العولمة بقيمها المادية المتأمركة، التي تشيؤ وتسلّع الإنسان وإفراغه من حيويته وقيمه الروحية، نعم الطريق طويل وصعب، ولكن هذه المغامرة الثقافية البديلة ، وحدها كفيلة بإحداث التغيير المنشود، لفنٍ لطالما كان رافداً مهماً وأساسياً من روافد الإبداع في الثقافة العربية.
-ويبقى السؤال مطروحا هنا، كيف السبيل إذاً، لوقف هذا الانهيار والخراب الأخلاقي الذي تنشره هذه المنظومة حيث تبذر الملايين على فن كسيح، هو أقرب الى الدجل الفني والاحتيال الموصوف، ولعل الجواب يكمن في قدرة هذا الموسيقي على الذهاب بهذه المغامرة الشائقة الى خواتيمها، بمساندة ومباركة من المال الثقافي الذي يؤمن ويتبنى المشاريع الثقافية التنويرية، عبر إحداث “وهذا شيء مهم جدا” لمنصات ومكانات إنتاجية وإعلامية، تقدم نتاجات هذه المغامرة للمتلقي العربي المحروم من موسيقاه العربية الأصيلة ، وتضع هذا الفن في مسار هذه الثقافة البديلة الجادة والملتزمة بقضايا الوطن والإنسان ، وهذا رهين كمايرى العديد من الباحثين العرب، بتنفيذ توصيات مؤتمرات الموسيقى العربية، والوقوف مع هذا الموسيقي على المستويين الحياتي والإبداعي.
-نعم دمرت هذه المنظومات المؤدلجة، عالم الإنسان الروحي، لكن ذلك لم يمنع كثير من الموسيقيين العرب، في أخذ المبادرة وروح التحدي، نحو خلق واجتراح، حالة ابداعية وجمالية أسمى، بعيداً عن لوثات التغريب، وبالطبع عن السائد المعمم في هذا المشهد الكوني العبثي، الذي أصبح معه هذا الفن وياللغرابة، فن تخديري هدفه الأساس إغراق العالم بكل هذا الخراب والانحطاط الأخلاقي والتربوي، وتم تغييب الدور والبُعد الحضاري الإنساني بقوة وسطوة المال الأسود الذي يشتري مع كل أسف كل شيء. إذاً، ما نفع كل هذه التوصيات والمؤتمرات والبحوث والدراسات المهمة، إن لم يتم تثميرها لتأطير هذه الحالة الابداعية وقوننتها في مواجهة هذا الواقع البائس المزري، كمافي مواجهة “تجار” هذا الفن الذين يمتلكون “ضميراً نقياً” كضمير الثعلب في حظيرة الدجاج، ، حيث حولوه كما أسلفنا الى سلعة وبضاعة رخيصة، تخضع لمنطق السوق والعرض والطلب، بما يستدعي بالضرورة، أن تكون هذه البضاعة مغرية وجذابة، وجاذبة للنظر ومثيرة للحواس، وهنا يأتي دور هذا المال الفاسد المُفسد، في إتقانه وخبرته الكبيرة في تسليع وتعرية المرأة “الموديل” بعد أن يسلبها من كرامتها وإنسانيتها ودورها الحقيقي في أنسنة وتجميل الحياة ، أما إذا أردنا أن نتحدث هنا، عن القيم والقيمة الابداعية المتوخاة من هكذا أعمال بائسة وكئيبة فنقف على عجائب لاتنتهي، أين منها عجائب الدنيا السبع. ألم يقل “سوفوكليس” في أنتيغونا” عجائب الدنيا لاتنتهي؟