الثورة أون لاين -هفاف ميهوب:
“تتوقف الأقدار، وتتشبَّث عقارب الساعة بتوقيت الثانية ظهراً.. تنتشر الزنود السمراء، وتتراكض الأقدام الثابتة القوية.. الأرض تهتز، تميد، تتأرجح، وحرارة الشمس تغيرت درجاتها، وبصوتٍ واحد.. بنفسٍ مشترك، وبحنجرةٍ هدارة، يصرخ الكلّ.. الجنود والمقاتلون الشباب:
“زغردي يا أرض ها قد جئنا، ونحن نحمل أرواحنا على راحتنا.. جئنا طالبين الموت، واجتمعنا عند مائدته العامرة، وقد أسكرتنا رغبة الشهادة، فانتشينا بكأسِ السمو..”.
هي كلماتٌ للكاتب والإعلامي “هاني الشمعة” الذي قدم صوراً رائعة عن بطولات جيشنا العربي السوري، في معاركه وملاحمه. “المعارك الخالدة” التي أرادها تروي للتاريخ والحياة والأجيال والمستقبل، ما روته صور “حرب تشرين” التي وثقها في كتابٍ نورد منه:
“نبقى عاجزين. وتبقى إمكاناتنا قاصرة عن استيعاب كل التفاصيل التي حدثت في حرب تشرين التحريرية.. كتب كثيرة صدرت حولها، غير أنها جميعها، ورغم ما احتوت من مضامين وصور ولوحات خالدة، لا تمثل سوى صورة مصغرة عما قدمه مقاتلنا البطل، وما أبداه من ضروب التضحية.
كانوا وما زالوا يريدون انتزاع التاريخ كله، وجاءت حرب تشرين لتثبت أكثر فأكثر، عظمة مقاتلنا النابعة من عظمة أبطالنا منذ فجر التاريخ العربي.. لا يمكنني إلا أن أقول، بأن التاريخ العربي مستمر ومتواصل، وأن أولئك الذين يريدون أن يقف التاريخ أو ينسخ أو يتبدد، ليسوا بأوهامهم وتفكيرهم، إلا ممن يتصورون أن بإمكانهم الدخول من خرم إبرة”.
حتماً، صور “الشمعة” كثيرة، وقد استمدها مما شاهده ووثقه ضمن “مذكرات جندي في حرب تشرين”. استمدها أيضاً، من “قصص مقاتلين يتحدثون من أرض المعركة” ومن “أخبار الصحف العربية والعالمية التي أشادت بالبطولات الأسطورية لمقاتلينا، ومن الصحف العبرية التي أصيبت بالخيبة بسبب هزيمة إسرائيل، إضافة إلى بيانات وتصريحات قادتها وجنرالاتها المرتبكين.
نعم، تصريحات وبيانات قادة العدو الإسرائيلي، بل واليوميات التي أصدروها ومنها “يوميات الكولونيل الإسرائيلي يرميا” الذي نقل “الشمعة” قوله في أحدها:
“الوقت يزحف.. لا أمل في الانتصار.. ليلة أخرى تمر بلا نوم، ونحن نرى الطائرات ونسمع أزيزها أثناء مرورها فوق رؤوسنا..
تذكرت أولادي وكلام زوجتي: “لماذا أنت مع هؤلاء القتلة؟!.. أنت مثلهم ما أن تشتم رائحة الحرب حتى تسارع للذهاب إليها.. لماذا لا ترفض الذهاب”..
باختصار، هي أعظم حرب في قدرتها على هزيمة جيش العدو الصهيوني. الجيش الذي أخفق في إقامة أي تحصين لقواته وعتاده، وبقي تحت رحمة طيراننا ومدفعيتنا ودباباتنا وصواريخنا طيلة أيام الحرب التي أسقطت عشرات الطائرات له، وأسرت الكثير من جنوده، وكسرت ادعاءاته بأنه الجيش الأسطوري.
“في حرب تشرين، شققنا الطريق الاستراتيجي إلى قمة جبل الشيخ، تحت قصف الطيران والمدفعية المعادية، وصعدت دباباتنا إلى حوالي ثلاثة آلاف متر، وهذا يحصل لأول مرة في تاريخ حروب الدبابات، وفي العالم أجمع.
فيها أيضاً، التحم رجال وحداتنا الخاصة مع جنود العدو ودباباته، بالسلاح الأبيض، وتمكن مغاويرنا من إنزال العلم “الإسرائيلي” وقد اعترف الجنرال الصهيوني “شارون” بهذه الحادثة عندما قال:
“للأسف.. لقد تمكن الكوماندوس السوري في جبل الشيخ، من إنزال رجال دباباتنا منها وأسروهم”.
هكذا زغردت الأرض كما أراد أبناء قلبها، ممن حملوا أرواحهم على أكفهم ومضوا يقاتلون عدو حقّها.. الأرض السورية التي ستبقى تنبض بالكرامة التي نبضت بها في حرب تشرين، والتي ستبقى تنتصر على أعداء الأمس واليوم، وبشجاعة وتضحيات رجالها الذين هزموا أعتى المجرمين والإرهابيين.